أسواق العيد تتزين في مصر ومواطنون منهكون من الغلاء

10 ابريل 2024
عامل في أحد مخابز القاهرة يقوم بتعبئة الكعك بينما الشراء متراجع في ظل الغلاء (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مصر، تستعد الأسواق للاحتفال بالأعياد، حيث يقوم محمد في مخبز "الباشا" بتحضير الكعك والحلوى الشرقية، مع تقديم أسعار أقل مقارنةً بالمحلات الكبرى، رغم التحديات المالية من ارتفاع تكاليف المواد الأولية والضرائب.
- الأسر المصرية تواجه ضغوطاً اقتصادية تدفعها لصناعة الحلويات في المنزل لتقليل التكاليف، بينما تحاول الحكومة التدخل بتوفير حلوى بأسعار مخفضة، لكن الجودة تبقى موضع شك.
- الوضع الاقتصادي الصعب واستمرار التضخم يدفع المستهلكين للبحث عن بدائل اقتصادية، محاولين الحفاظ على التقاليد الاحتفالية بالأعياد رغم الصعوبات، مما يعكس التحديات التي تواجه الأسر المصرية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

تتجمل الأسواق وتبور السلع، في ذروة طلب المستهلكين على شراء مستلزمات الأعياد في مصر، التي تجمع بين سوق مستهلكين قوامه 100 مليون نسمة من المسلمين والمسيحيين في ظاهرة تتكرر كل ثلاثة عقود.

على ناصية مخبز "الباشا" في حي الفردوس بمدينة السادس من أكتوبر غرب العاصمة القاهرة، يحمل محمد ألواح الكعك والبسكويت الساخن، ليبدأ في رصها على جوانب المخبز الذي يعمل به، بينما تنتظر 3 سيدات ورجل مسن أن يفرغ العامل من مهمته.

يدرك الرجل بحكم خبرته، أن المشترين من حوله سيوجهون لهم كثيراً من الأسئلة حول أسعار ما لديه من منتجات، فيهرع إلى طاولة جانبية، ويأتي إليهم بقائمة المشتريات والمنتجات.

تتبسّم سيدة مسنة من ذكاء العامل، الذي باغتهم بما يريدونه دون نقاش. يشير محمد إلى ما لديه من مختلف أنواع الكعك والبسكويت، والكنافة والحلوى الشرقية. تبدو البضاعة المتراصة حوله منذ أيام، فيطلب الرجل السبعيني من العامل، أن يشرح له الفروق بين كل صنف، لمراجعة قائمة الأسعار المرفقة.

تبدو الأسعار التي يعرضها عامل المخبز الشعبي، منخفضة للغاية عن تلك المنتجات المبيعة في محلات الحلوى الشهيرة وشركات المواد الغذائية الحكومة والخاصة، التي تبيع منتجاتها عبر المراكز التجارية وفروعها التاريخية.

يتوقف الرجل السعبيني عن الطلب، حينما يدرك أن سعر كيلو الكعك بالسمن البلدي بلغ 220 جنيها (4.6 دولارات)، بينما قرأ في الجرائد الحكومية أن سعر كيلو الكعك بالأسواق انخفض مع تراجع سعر الدقيق بنسبة 25%، وتأكيدها بوجود الكعك بسعر يبدأ من 120 جنيها إلى 170 جنيهاً.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

يوجه العامل كلماته بضيق إلى الرجل السبعيني قائلا: "دعنا من كلام الجرائد وما تراه في التلفزيون، الأسعار في السوق على أرض الواقع، هي الحكم، فلا تعتمد على ما تسمعه من الحكومة من تخفيضات لم ولن تحدث، لأن السكر ما زال غير موجود، وزاد سعره مع ارتفاع سعر السمن والألبان والبيض والغاز والنقل والضرائب والتأمين الإجباري، ولكن انظر إلى المنتجات في المحلات الأخرى، فلن تجد أكثر مما يعرض أمامك في هذا المخبز".

تأتي سيدة على استحياء، مستفسرة عن سعر "صوابع زينب" تلك الحلوى الأكثر شعبية، فيواصل العامل حديثه مع الرجل السعبيني، مؤكدا أن أسعار السلع لم تتراجع، لأن كل ما يشتريه المخبز من مدخلات إنتاج إما ارتفع سعر أو ظل على حاله المرتفع قبل تعويم الجنيه الشهر الماضي.

يبدي الرجل أملا في خفض السعر، مشيراً إلى أن إقبال الجمهور على الشراء سيوفر أمامه فرصه لطلب رفع أجره اليومي، الذي توقف عند 200 جنيه مقابل عمل 12 ساعة يومياً.

تخطف السيدة العجوز الحوار جانباً، في محاولة لفض اشتباك، توقعته بين العامل والرجل السبعيني، بسؤال مباغت، عن فرصتها في تكليف المخبز بتلقي طلبات الأسر الراغبة في تجهيز الكعك والبسكويت بمنازلهم، مع تسويتها بأفران المخبز. يشير العامل للسيدة إلى مخبز مجاور، يستطيع أن يوفر لها تلك الخدمة، بمقابل 50 جنيهاً لكيلو الكعك والبسكويت العجين.

ينتهي النقاش بسرعة وسط اختفاء السيدات من المحل، واكتفاء الرجل السبعيني بثلاث عبوات صغيرة من الكعك والبسكويت، بينما يتفرغ العامل إلى إعادة رص ما لديه من منتجات بطريقة جذابة أملا في جذب الزبائن، النادر وجودهم، وسط تجمع سكني تقطنه عائلات من طبقات متوسطة وأصحاب المشروعات الصغيرة.

يبدي العامل مخاوفه من عدم قدرته على تصريف ما لديه من منتجات العيد، قائلا لـ"العربي الجديد": "عادة ما نبدأ بيع الكعك والبسكويت وحلوى العيد في الأسبوع الثاني من شهر رمضان، ويرتفع الطلب بالأسبوع الثالث، ولكن انقضى الأسبوع الرابع، وما زال الشراء محدوداً".

يشير العامل إلى رغبته في تصريف المنتجات، حتى لا تتعرض للبوار والتلف، مع عدم قدرته على خفض الأسعار لأنها تتعارض مع الحد الأدنى للتكلفة التي يدفعها صاحب المخبز، خشية ألا يقدر على الوفاء بأجره اليومي. فرغم بساطة الأجر، فإنه يحفظ له الحد الأدنى من الستر في تلبية حاجات أسرته الأساسية، المكونة من 4 أفراد، من خبز وطعام، بينما ما يتولى بيعه أصبح عصيا على جلبه لأولاده في العيد.

يشكو الرجل سوء المعيشة مع حالة الغلاء الفاحشة التي طاولت كل شيء، وجعلت الناس تتجه إلى تلبية الحد الأدنى من طلبات أبنائها من كل شيء، مبديا أمله في أن يستمر الطلب على الحد الأدنى من المبيعات كي يحافظ على قدرته والعاملين أمثاله على ستر بيوتهم.

يسلم العامل لـ"العربي الجديد" قائمة بأسعار المبيعات، في الفرن الشعبي المتكرر وجوده في أنحاء القرى والأحياء الشعبية والمتوسط بالمدن، تظهر انخفاضاً هائلاً عن أسعار محلات الحلوى التي تتفنن في العروض واستخدام المكسرات في المنتجات.

يبلغ سعر الكعك السادة 170 جنيهاً، والمخبوز بالسمن البلدي 200 جنيه، والمحشو ببندقة أو لوزة 220 جنيهاً و"الغريبة" السادة 200 جنيه والمحشوة 220 جنيهاً، والبسكويت السادة 160 جنيهاً، والمحلى بالقرفة أو البرتقال والشيكولاتة 180 جنيهاً، و"وبلح الشام" و"صوابع زينب" و"البسبوسة" 100 جنيه، و"الهريسة" 140 جنيهاً و"رموش الست" 120 جنيهاً.

اتفقت وزارة التموين مع ممثلي الغرف التجارية على طرح حلوى العيد بسعر يقل 25%، عن المعروضة شعبياً، في فروع البيع التابعة للقطاع العام والمعارض المشتركة مع التجار بالميادين، ويقبل عليها بعض الجمهور رغم رداءة الجودة، لاهتمام الأسر بشراء تلك المنتجات باعتبارها إحدى أدوات إدخال الفرحة البسيطة على أبنائهم في العيد.

تحت ضغوط التكلفة، عاد كثير من الأسر إلى تصنيع احتياجاتها من البسكويت والكعك بالمنازل، مع تسوية المأكولات في المخابز الشعبية أو بأفران الغاز المنزلية، بحثاً عن تكلفة أقل وجودة أفضل مضمونة.

تؤكد نجاة إبراهيم سيدة منزل، أنها وظفت خبراتها المكتسبة في الصغر في صناعة كمية من الكعك وحلوى العيد تكفيها وثلاثة أبناء والأحفاد. توضح أن التكلفة لم تقلّ، عن المعلنة بالأفران، ولكنها أفضل في الجودة، وساهمت في إدخال الفرحة على أفراد الأسرة الذين شاركوا جميعاً في عمل الحلوى لمدة يومين.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تشير السيدة الخمسينية إلى أن فقد الناس القدرة على شراء ما يحتاجونه يدفعهم إلى البحث عن بديل مناسب بأقل التكاليف، سواء في المنزل أو خارجه، حتى يواصل الناس مسيرتهم في الحياة، ولو بقدر محدود من الفرح وكثير من الشقاء.

تبرع السيدات في اقتفاء أثر البدائل، على وسائل التواصل الاجتماعي، لمعرفة أسرار الأسواق، يظهر أثره في السعي إلى شراء مستلزمات العيد من الأسواق الشعبية في كل المدن والأحياء بالعاصمة. استلهم التجار أفكاراً لتوجيه المشترين نحو الأسواق الشعبية، بإرشادهم إلى أماكن البيع، ليلتقي الطرفان، عند نقطة مشتركة، حيث السعر الرخيص والجودة المقبولة.

في جولة لـ"العربي الجديد" وسط العاصمة كان لافتاً أن تتحول شوارع القاهرة الخديوية إلى سوق شعبي واسع، يشتد ازدحاماً في الليل.

يظهر بائعون قدراتهم على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في عرض ما لديهم من منتجات تباع على قارعة الطريق، عبر البث المباشر على "تيك توك" و"فيسبوك" و"واتس آب" فإذ بجمهور حاشد يتجمع حول الموزع.

تجري بعض المحلات و"البسطات" مزايدات على بيع المنتجات من الملابس والأحذية وأدوات التجميل، بعد تحديد موعد المزاد على وسائل التواصل الاجتماعي، في ظاهرة متكررة في عدد من الأحياء بالعاصمة.

تبيع تلك المحلات بواقي منتجات المصانع، والمعارض الكبرى، بعضها يأتي من الخارج في إطار تجارة" البالة" للملابس القديمة. تجذب تلك المحلات عملاء من الطبقة الوسطى الباحثة عن علامات تجارية شهيرة، وملابس مستوردة أو محلية جديدة، انقضى أجلها بالمحلات الكبرى التي تعرضها بسعر مرتفع.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تسبب ظاهرة البسطات حالة من الفوضى المرورية وسط العاصمة، والأحياء التجارية بالمحافظات، تغض الأجهزة الأمنية الطرف عنها في هذه الحقبة، لحاجتها إلى تهدئة الجمهور الغاضب، من موجات الغلاء المتصاعد، وتوفيرها فرص عمل لآلاف الشباب وأرباب الأسر الذين يكدون لتوفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة.

تأمل الحكومة أن تتراجع أسعار السلع والمنتجات بعد العيد، وتتاح لها فرصة أخرى للسيطرة على ما أحدثته الأسواق الشعبية من فوضى، خاصة وسط العاصمة التي تفرغ مئات العقارات القديمة بها والتي تضم فنادق ومقار حكومية لطرحها للبيع أمام مستثمرين أجانب.

تعد الحكومة المواطنين بخفض أسعار السلع الأساسية بما يزيد عن 30% عقب إجازة العيد، مبررة ذلك باستقرار سعر الصرف وحصولها على قروض وعائد مبيعات الأصول العامة والأراضي، بقيمة 55 مليار دولار، تمكنها من خفض التضخم إلى رقم واحد بحلول عام 2025.

يتشبث المستهلكون بأهداب الأمل المتكرر. وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، يوم الاثنين الماضي، إن معدل التضخم السنوي تراجع خلال مارس/آذار الماضي إلى 33.1% من 36% في شهر فبراير/شباط.

لكنّ محللين يتوقعون استمرار التضخم عند مستوياته المرتفعة خلال الفترة المقبلة. ووفق وكالة "كابيتال إيكونوميكس" فإن التضخم سيظل مرتفعا خلال الأشهر المقبلة، مع ظهور آثار ضعف الجنيه الذي فقد نحو 60% من قيمته منذ التعويم الأخير في 6 مارس/آذار الماضي، وارتفاع أسعار السلع.

يظهر مؤشر أسعار السلع الغذائية لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" الصادر قبل أيام، ارتفاعاً في أسعار السلع عالمياً بنسبة 1.1% الشهر الماضي، في أول زيادة لها منذ 7 أشهر.

ويتوقع المؤشر أن تواصل أسعار الزيوت بأنواعها والألبان واللحوم والدواجن الارتفاع متأثرة بتراجع الإنتاج.

ورغم توقع المؤشر تراجعا في أسعار القمح والذرة، التي تشهد هبوطاً بنسبة 20% عن مارس/آذار 2023، مع انخفاض موازٍ للسكر، فإن المستهلك المصري، وفقا لخبراء اقتصاد، سيظل رهينة الأزمة الاقتصادية التي تسببها ظروف محلية، تدفع إلى بوار السلع بالأسواق، مع تراجع قدرة المشترين على مواجهة الغلاء، وتتجه بالدولة إلى مزيد من الاقتراض والديون، لن تحد منها بيعا للأصول العامة، دون أن تغير السلطة سياساتها التي تسير عليها منذ سنوات.

المساهمون