أسواق إيران تتجاهل نذر المواجهة مع أميركا... استقرار الريال ولا تخزين للسلع

03 يناير 2021
سوق في العاصمة طهران (فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأسواق الإيرانية استقراراً على صعيد تداول السلع، وتحسّنت قيمة العملة الوطنية، على غير المتوقع، في ظل تصاعد نذر المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في الأيام الأخيرة.

وسجل الريال الإيراني، خلال معاملات أمس السبت تحسناً طفيفاً، بلغت نسبته 0.1%، بما يعادل 300 ريال، مقارنة مع تداولات يوم الخميس الماضي، إذ وصل سعر صرف الدولار إلى 256.7 ألف ريال، بحسب أسعار محلات الصرافة التابعة للبنك الوطني الإيراني، فضلاً عن استقرار سعر صرف اليورو عند 314000 ريال.

ويأتي استقرار سوق الصرف، رغم مخاوف وقوع مواجهة عسكرية في الذكرى الأولى لاغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني في ضربة جوية أميركية في بغداد.

كذلك لم يلاحظ تغير في سلوك المواطنين وتوجههم نحو تخزين السلع الأساسية أو حدوث نقص في المعروض وارتفاع بالأسعار، وفق مشاهدات لمراسل "العربي الجديد".

وبدا أن الشارع الإيراني أصبح معتاداً على هذه الأجواء منذ أكثر من عامين بعد انسحاب الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي في 8 مايو/ أيار 2018 وفرضها عقوبات على إيران وصفت بأنها "شاملة وتاريخية"، تعتبرها الحكومة الإيرانية "حرباً اقتصادية" أو "إرهاباً اقتصادياً".

وطاولت العقوبات جميع مفاصل الاقتصاد الإيراني، وخاصة مصادر إيراداتها بالعملة الصعبة، ما أدى إلى شحّ مواردها وأزمة اقتصادية، فاقمتها تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا الجديد في البلاد منذ 19 فبراير/ شباط الماضي، إذ بحسب الأرقام الرسمية فإن 4 ملايين إيراني فقدوا أعمالهم بعد تفشي كورونا.

كما أنه بحسب الحكومة الإيرانية فإن الفيروس أثر بشكل مباشر على 3 ملايين و300 ألف شخص من أصحاب المشاغل وتسبب بإغلاق أكثر من 1.5 مليون معمل إنتاجي حكومي أو غير حكومي.

إلى ذلك، أدى التراجع المستمر لقيمة الريال الإيراني إلى مستويات قياسية، خلال العامين الأخيرين، إلى فقدانها نحو 800% من قيمتها، وتراجعت إلى نحو 320 ألف ريال قبل أن تتحسّن خلال الشهرين الأخيرين وترتفع إلى نحو 250 ألف ريال لكل دولار.

كذلك شهدت أسعار السلع والخدمات ارتفاعاً هائلاً خلال العامين الأخيرين، فعلى سبيل المثال، سجلت العقارات خلال هذه الفترة ارتفاعاً في الأسعار بنسبة تفوق 300%، إذ وصل متوسط أسعار المتر الواحد للشقق السكنية في العاصمة الإيرانية طهران إلى 230 مليون ريال، خلال الشهر الماضي، وفقاً لتقرير البنك المركزي الإيراني الذي نشره يوم الإثنين الماضي. ويظهر ذلك ارتفاعاً بنسبة 10.5% مقارنة بالشهر السابق و77.4 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وسجل الاقتصاد الإيراني خلال ربيع هذا العام (من 20 مارس/ آذار إلى 20 يونيو/ حزيران) نمواً سلبياً بنسبة 3.5% مع احتساب عوائد النفط و1.7% من دون احتساب هذه العوائد التي تراجعت إلى مستويات قياسية، بعدما فرضت واشنطن حظراً شاملاً على الصادرات النفطية اعتباراً من 2 مايو/ أيار 2019، في الذكرى الأولى لانسحابها من الاتفاق النووي.

وعلى وقع هذه الأزمة الاقتصادية، صاغت الحكومة الإيرانية موازنتها للعام المالي الجديد الذي سيبدأ اعتباراً من 21 مارس/آذار المقبل، وقدمتها للبرلمان الشهر الماضي، وسط خلافات حادة حول بنودها، وقد وعدت الحكومة بإجراء تعديلات عليها بعد ضغوط برلمانية.

ويبلغ حجم الموازنة المقترحة 24350 تريليون ريال (سعر الصرف المعتمد 115 ألف ريال لكل دولار)، وللموازنة ثلاثة موارد: الإيرادات العامة 38%، والثاني 35%، من خلال بيع الممتلكات المالية والسندات وأسهم الشركات الحكومية والاستعانة بصندوق التنمية الوطني، والثالث 27% من خلال صادرات النفط وبيع أوراق النفط.

وأشار مركز بحوث البرلمان الإيراني الداعي إلى رفض المشروع إلى وجود "إشكالات أساسية" فيه، مشيراً إلى عجز متوقع بنسبة 50% من حجم الموازنة، وزيادة ربط الموازنة بالصادرات النفطية نحو 30%، وتراجع استثمارات الحكومة على حساب التمويل للمشاريع العمرانية من 15% في الموازنة السابقة إلى 11% في الموازنة الجديدة، فضلاً عن ارتفاع هائل في مصاريف الدولة بنحو 60%.

ومن أهم المآخذ على الموازنة الجديدة أن الحكومة حددت أحد أهم الموارد بناء على بيع 2.3 مليون برميل من النفط خلال العام المقبل، بسعر 40 دولاراً لكل برميل، وبطريقتين، الأولى من خلال التصدير، والثانية من خلال بيع النفط سلفاً في بورصة الطاقة في الداخل، في عقود آجلة مع آجال استحقاقها.

لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أن بيع الكمية غير ممكن على ضوء الحظر الأميركي التام على الصادرات النفطية، مشيرين إلى أنه بعد فوز جو بايدن لم تتضح بعد السياسة التي ستتخذها إدارته في التعامل مع إيران، وسط ترجيحات مراقبين بأن تركة الرئيس الخاسر دونالد ترامب بشأن إيران تضع بايدن أمام واقع لا يمكنه تجاوزه بسهولة.

وعليه، يرى مراقبون إيرانيون أن الحكومة بنت الموازنة على أوهام وفرضيات وليس على حقائق على الأرض، بينما ليس صحياً التعامل مع موضوع الاقتصاد والموازنات انطلاقاً من الفرضيات.

المساهمون