يقال "مصائب قوم عند قوم فوائد"، وهذا المثل ينطبق بشكل كبير على أسواق النفط العالمية حالياً والتي بدأت تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار، لدرجة أن بعض المحللين خرجوا علينا قبل ثلاثة أيام بتوقعات تؤكد زيادة الأسعار بنسبة 20% خلال أشهر، وهذا سينعكس إيجاباً على إيرادات الدول النفطية الكبرى، ومنها دول الخليج والعراق والجزائر وروسيا وإيران وفنزويلا وغيرها.
أسواق النفط تستفيد هذه الأيام من ثلاثة تطورات، منوعة ما بين سياسي وأمني ونفطي، الأول يتعلق بزيادة المخاطر الجيوسياسية، سواء في منطقة الشرق الأوسط، التي تضم أكبر منتجين للنفط في العالم، أو في دول العالم المختلفة، فواشنطن قد توجه ضربة صاروخية جديدة إلى سورية حسب تصريحات وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أمس الاثنين، مع العلم أن أسواق النفط استفادت أيضا من الضربة الأميركية الأولى لسورية، وإطلاق 59 صاروخا من طراز توماهوك من مدمرتين للبحرية الأميركية باتجاه مطار الشعيرات العسكري، جنوب شرقي مدينة حمص.
وهناك تدخل أميركي محتمل في كوريا الشمالية حيث تزايدت فرص التحرك العسكري الأميركي ضد بيونغ يانغ ردا على اختبارات الأسلحة التي تجريها عقب شن أميركا هجومها الصاروخي الأول على سورية، وبشكل عام كلما زادت المخاطر الجيوسياسية زاد إقبال الدول والمستثمرين على شراء النفط، وبالتالي ارتفاع أسعاره.
ومن المخاطر الجيوسياسية التي تستفيد منها أسواق النفط سخونة الانتخابات الرئاسية الفرنسية وتخوفات الكثير من صعود التيار الشعبوي، وتصاعد الخلافات بين الهند وإيران، وقلق من حدوث توتر في العلاقات الروسية الخليجية على خلفية سخونة الملف السوري، وامتداد هذا التوتر لملف التنسيق السعودي الروسي داخل منظمة أوبك والذي توج بتوقيع اتفاقية خفض الإنتاج في نوفمبر الماضي.
وما يجري في ليبيا يصب في زيادة هذه النوعية من المخاطر الجيوسياسية، حيث تراجع إنتاج البلاد النفطي وصادراتها عقب سيطرة مسلحين على حقل الشرارة وإغلاقه منذ يوم الأحد، وتعطل خط أنابيب يربطه بمرفأ الزاوية النفطي، وكذا إقفال خط ضخ النفط والغاز في حقل الوفاء على يد مجموعات مسلحة.
أما التطور الثالث فيتمثل في أمور فنية تتعلق بالعرض والطلب، منها مثلا ما أعلنه وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك اليوم الثلاثاء من أن بلاده ستخفّض إنتاج النفط 250 ألف برميل يوميًا بحلول منتصف شهر إبريل/نيسان الجاري، والتزام الدول النفطية باتفاق خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل، ومنها البيانات الجديدة التي كشفت عنها رويترز اليوم، وأكدت أن احتياطيات النفط والغاز لدى شركات النفط الكبرى شهدت هبوطاً حاداً، وضربت أمثلة بشركات إكسون موبيل وشل وتوتال وشتات أويل، وفي مقابل الهبوط نجد أن الاكتشافات الجديدة لا تواكب الإنتاج، وأن الإمدادات قد تشهد عجزاً يصل إلى مليوني برميل يومياً في غضون 7 إلى 8 سنوات.
لكن، هل التطورات الثلاثة وغيرها يمكن أن تعيد أسعار النفط إلى مستويات أسعار منتصف 2014 حين بلغ سعر البرميل 110 دولارات؟ بالطبع لا، قد ترتفع الأسعار، لكن الوصول إلى هذه المستويات أصبح حلماً للدول المنتجة.