يشهد العراق للشهر الثاني على التوالي ارتفاعاً كبيراً في أسعار اللحوم الحمراء، حتى وصلت إلى 25 ألف دينار عراقي (19 دولاراً) للكيلوغرام الواحد، مع اقتراب شهر رمضان، ما يؤشر إلى استمرار حالات الجشع والاستغلال التي يمارسها بعض التجار في البلاد، فيما تسعى السلطات إلى السيطرة على الأسعار عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات.
ومنذ شهر يوليو/ تموز الماضي، أخذت أسعار اللحوم التصاعد في الارتفاع تدريجياً، مع انتقادات للسلطات بشأن عدم السيطرة على الأسعار، لكن الزيادة الأخيرة تجاوزت 5 دولارات على سعر الكيلوغرام الواحد، وهو ما يرفضه العراقيون بالرغم من قرار الحكومة فتح استيراد اللحوم لمنع صعود الأسعار التي تسببت بحرمان الكثير من العائلات من ذوي الدخل المحدود من شرائه.
وكانت وزارة الزراعة العراقية، قد قررت في وقتٍ سابق، اتخاذها إجراءات للحد من ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق، مؤكدة فتح الباب أمام استيراد اللحوم بشكل شامل، بالإضافة إلى تسهيل نقل الأغنام والأبقار الحية بين المحافظات وإقليم كردستان، والسماح باستيراد اللحوم من جميع بلدان العالم عدا الدول المحظورة.
ويشكو المواطن من غلاء أسعار السلع الغذائية رغم توفر السيولة لدى خزينة الدولة. ووفق بيانات حكومية، فقد ارتفعت معدلات التضخم في العراق بنسبة 4.5% مع زيادة ملحوظة لمستوى الأسعار رسميا في الشهر الأخير من سنة 2023، على الرغم من رفع المركزي لسعر الفائدة وطرح السندات التي من شأنها أن تكبح جماح التضخم.
وقال المواطن علي راسم (44 عاماً) من بغداد، إن "أسعار المواد الغذائية وتحديداً اللحوم أخذت بالارتفاع، حتى بلغ سعرها 25 ألف دينار للكيلوغرام الواحد، وهذا يعني أن شهر رمضان المقبل قد يكون صعباً على العراقيين، ولا سيما من أصحاب الدخل المحدود"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "العراقيين لا يرغبون بشراء اللحوم المستوردة، لأن الفكرة السائدة عنها أنها مجهولة المصدر".
وأضاف راسم أن "تجار اللحوم يتجاوزون القوانين التي وضعتها الدولة والتسعيرات المحددة، وبالرغم من ذلك فإن إجراءات السلطات ضعيفة في هذا الأمر"، معتبراً أن "الحديث الشائع في البلاد، هو أن المواشي العراقية يتم تهريبها إلى سورية وإيران ودول أخرى، وهو ما يزيد من سعرها محلياً".
من جهتها، قالت السيدة أم نور (48 عاماً) من بغداد، إن "موسم التحضير وشراء المواد الغذائية الخاصة بشهر رمضان، قد بدأ بالفعل، وإن العراقيين اعتادوا على ارتفاع الأسعار في مثل هذه الأيام، وعودتها إلى الحالة الطبيعية قبل أيام من عيد الفطر، وبالرغم من هذا الاعتياد إلا أنه يشكل عبئا على العراقيين كافة، حتى الميسورين منهم".
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية، محمد الخزاعي، إن "السوق العراقية تتوفر فيها أنواع عديدة من اللحوم، لكن العائلة العراقية لا ترغب إلا باللحم العراقي، ومع زيادة الطلب على اللحوم المحلية، ارتفعت أسعارها"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الظروف المناخية وارتفاع درجات الحرارة وتصاعد معدلات الجفاف، جعلت المعاناة لدى مربي المواشي تزداد، ناهيك عن نفوق الحيوانات، وهذه أسباب أخرى تضاف إلى زيادة الأسعار".
وأضاف الخزاعي أن "ارتفاع أسعار اللحوم والمواد الغذائية في الفترة التي تسبق شهر رمضان، يحدث في كل الدول العربية والإسلامية، وأن هذا الأمر مرتبط بكثرة الطلب، بالإضافة إلى استغلال التجار لحالة السوق، ناهيك عن الاحتكار"، مؤكداً أن "الجهات الأمنية مسؤولة عن مراقبة أسعار المواد الغذائية، ومن مسؤولياتها اتخاذ الإجراءات لأجل المحافظة على مستويات معتدلة ومعقولة للأسعار في الأسواق المحلية".
من جانبه، بين الباحث في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن الجبوري، أن "السلطات لم تتمكن من السيطرة على عمليات تهريب الأغنام من العراق نحو دول الجوار، بما فيها إيران وسورية، وهو ما أدى إلى تراجع المتوفر من الأغنام المحلية، والمعروف أن المواطن يرغب كثيراً باللحوم المحلية"، موضحا لـ"العربي الجديد" أن "بعض التجار يستغلون العراقيين، وسبق أن أقدم جهاز الأمن الوطني على اعتقال المضاربين بالأسعار، ولا بد من تكرار هذه الحملة".
ولفت الجبوري إلى أن "استمرار تصاعد أسعار اللحوم، سيؤدي إلى عزوف شريحة كبيرة من العراقيين عن شراء اللحوم، لا سيما وأن قيمة الدينار منخفضة منذ عامين، وهو ما سيزيد بالضرورة نسبة الفقر في البلاد"، مؤكداً أن "الحكومة قادرة على حلّ هذه المشكلة".