أزمة نقدية حادة في اليمن: سوق الصرف يختنق

02 مايو 2022
صرفت الحكومة رواتب شهرين قبل أيام من إجازة عيد الفطر (فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأسواق اليمنية أزمة نقدية ومصرفية حادة قبيل حلول عيد الفطر، وارتفاع الطلب على العملة بشكل كبير وعدم قدرة البنوك وشركات ومؤسسات الصرافة على مواجهة هذه الوضعية، التي تتحول إلى أزمة حادة تعم مختلف المدن الرئيسية في اليمن.

وتعمد كثير من الجهات والدوائر الحكومية والعامة والخاصة على صرف رواتب موظفيها عبر البنوك وشركات الصرافة في آخر يومين قبل إجازة العيد، وهو ما يخلق اكتظاظا هائلا في هذه المؤسسات النقدية والمصرفية، عدا عما تواجهه بعضها من مشكلة حادة في السيولة وقيامها في بعض المدن، كالعاصمة صنعاء، بتداول الفئات الورقية القديمة التالفة، وهو ما يرفضه كثير من المتعاملين معها.

وانتظرت الحكومة اليمنية إلى ما قبل حلول إجازة عيد الفطر بأيام قليلة لصرف رواتب شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان للموظفين المدنيين والعسكريين والنازحين في المؤسسات العامة والمحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، وينطبق نفس الوضع على سلطة صنعاء التي تقسط صرف راتب واحد للموظفين في المؤسسات والدوائر العامة، بحيث جرى صرف النصف الأول بداية شهر رمضان، فيما صُرف النصف الثاني في آخر أيام الأسبوع الأخير من شهر رمضان الذي يصادف نهاية إبريل/ نيسان.

ويتذمر موظفون مدنيون ومتعاملون في أسواق الصرافة من إجراءات ومواعيد الصرف، وما تسببه لهم من معاناة كبيرة في تلبية احتياجاتهم الغذائية والاستهلاكية ومن مستلزمات العيد الضرورية، إضافة إلى ما يتسبب فيه الازدحام في المؤسسات النقدية والمصرفية من تأخير واستغلال في تمرير أكبر قدر ممكن من العملة الورقية التالفة المكدسة في المصارف العامة والخاصة، واضطرارهم إلى القبول بها رغم أن نسبة كبيرة منها غير صالحة للتداول.

ويرجع عمران مانع، مالك شركة صرافة في صنعاء، في حديث لـ"العربي الجديد"، سبب ذلك إلى نوعية العملة الورقية التي تقوم بضخها لهم الجهات المصرفية العامة، كالبنك المركزي في صنعاء وبعض البنوك، وهو ما يجرى اعتماده في عملية الصرف بالنسبة للحوالات الخاصة بالرواتب، وما يندرج في تصنيفها نظراً لعدم قدرة شركات ومحال ومؤسسات على تغطية السيولة اللازمة في ظل ارتفاع الطلب على العملة المحلية خلال الفترة الراهنة.

ويلاحظ منذ مطلع الأسبوع تداول واسع في سوق الصرف في صنعاء ومناطق في شمال اليمن للعملة الورقية أقل من فئة 1000 ريال، خصوصاً من فئتي 500 ريال و250 ريال، التي تعتبر في حكم التالفة وغير صالحة للاستخدام كما يؤكد متعاملون في سوق الصرف، فيما يختلف الأمر بالنسبة لمبادلة العملات.

ويوضح ماجد السعدي، عامل في محل صرافة، لـ"العربي الجديد"، أن العملات الأجنبية، كالدولار والريال السعودي، تجرى مبادلتها بالعملة النقدية الورقية من فئة 1000 ريال.

وتعتبر الفئة الورقية 1000 ريال الوحيدة الصالحة للتداول في هذه المناطق من العملة الورقية القديمة، مع القبول مؤخراً بشكل غير مباشر بتداول نفس الفئة من العملة الورقية طبعة 2017 الجديدة، التي طُبعت من قبل الحكومة المعترف بها دولياً بنفس حجم الفئة القديمة، قبل أن تُطبع كمية منها في العامين التاليين، 2018 و2019، بحجم آخر مختلف.

وبحسب مصادر مصرفية حكومية مطلعة، فإن كميات أخرى من هذه الفئة الورقية 1000 ريال جرت طباعتها، خلال العاميين 2020 و2021، بنفس حجم الفئة القديمة، في إطار الجهود التي تبذلها الحكومة لمعالجة الانقسام المالي الذي تسبب به الحوثيين، وفق حديثه، ولقطع الطريق أمام الذرائع التي يتحججون بها في استهداف العملة الوطنية ومنع تداولها في مناطق نفوذهم.

وكانت سلطة صنعاء قد منعت، في مثل هذه الفترة من العام الماضي، تداول الفئة الورقية 1000 المطبوعة بنفس حجم الفئة القديمة، لكنها لم تستطع السيطرة على عملية تداولها في الأسواق المصرفية التي تغلب عليها العملة التالفة من مختلف الفئات الورقية، خصوصاً 100 ريال، التي تعتبر شبه مندثرة، و250 ريال و500 ريال، فيما تعتبر فئة 50 ريال بحكم المنتهية في هذه المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إضافة إلى الفئة الورقية 200 ريال.

وشهد الريال اليمني تحسناً ملحوظاً منذ الأسبوع الأول لشهر إبريل/ نيسان بالذات في صنعاء، التي ارتفع سعر الصرف فيها إلى 556 ريالاً للدولار الواحد بعد استقراره نحو عاميين متتاليين عند 598 ريالاً مقابل الدولار، فيما تراوح سعر الصرف في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، ما بين 990 ريالاً و1005 ريالات للدولار الواحد.

ويرى الخبير المصرفي فهد نعمان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه خلال هذه الفترة من العام، يُشهد استقرار في العملات الأجنبية التي يرتفع المعروض منها في أسواق التداول المصرفية، وهو ما يؤدي إلى تحسن نسبي في سعر صرف العملة المحلية، وذلك نظراً لما اعتاد عليه كثير من المغتربين اليمنيين في الخارج من إرسال الأموال لأهلهم وعائلاتهم منذ بداية شهر رمضان إلى حلول العيد، في ظل تحسن هذه التحويلات خلال الفترة الراهنة من العام الحالي، بعد تأثرها بشكل كبير العامين الماضيين بسبب وباء كورونا.

ويلفت نعمان إلى أن تغيير قيادة البنك المركزي اليمني في عدن برئاسة أحمد غالب ساهم كذلك في خفض حدة التوترات والتجاذبات الحادة التي كانت سائدة بين صنعاء وعدن، والصراع الطاحن بينهما على المستوى الاقتصادي والنقدي، وتبعات ذلك في توسع الانقسام في المؤسسات المالية واختلاف العملة المتداولة وسعر صرفها وكل ما يتعلق بالتعاملات النقدية والمصرفية.

وكثفت الحكومة اليمنية، ممثلة بقيادة البنك المركزي اليمني، تحركاتها مؤخراً لإعادة الارتباط والاندماج مع النظام المالي والمصرفي الدولي، إذ عقدت عدة اجتماعات مع صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن لمناقشة الوضع الاقتصادي في اليمن، والآثار المترتبة للحرب على مجمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن آثار الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على أسعار  السلع الأساسية والوقود، والتي فاقمت الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب اليمني، وما يمكن أن تقوم به الحكومة اليمنية والبنك المركزي لتخفيف تلك الآثار الناتجة عن الحرب المستمرة وانقسام المؤسسات السيادية اليمنية وتعارض سياساتها التي جعلت الأوضاع أكثر صعوبة.

كما طلبت الحكومة اليمنية دعم هذه المؤسسات المالية والنقدية الدولية لمساعدة المؤسسات المالية في اليمن، لإعادة رسم أولويات استخدام الموارد المتاحة والتوظيف الأمثل للموارد المقدمة من السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لتوفير البيئة المناسبة بإجراء إصلاحات هيكلية عميقة للاقتصاد اليمني تساهم في تحقيق الاستقرار والاستدامة المالية. 

المساهمون