أزمة الاقتصاد الإسرائيلي بالأرقام: ملامح انهيار وسط دعوات للإغلاق

20 اغسطس 2024
خلال تحرك أمام بورصة تل أبيب، 18 يوليو 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تدهور الاقتصاد الإسرائيلي**: يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تدهور حاد مع خفض وكالة فيتش التصنيف الائتماني إلى "A"، وارتفاع التضخم، وهبوط نمو الناتج المحلي، وصعود عجز الموازنة. جمود السياحة وهروب الاستثمارات يزيدان من تعقيد الوضع.

- **السخط الداخلي والإجراءات المحتملة**: يتزايد السخط ضد حكومة نتنياهو، مع دعوات لإغلاق الاقتصاد لإجباره على قبول صفقة إعادة المحتجزين. تحذيرات من ركود عميق وهجرة وتسريح في قطاع التكنولوجيا تهدد الاستقرار.

- **تحديات قطاع التكنولوجيا والشركات**: قطاع التكنولوجيا يواجه انخفاضاً في الاستثمارات وتسريحاً للعمال. من المتوقع إغلاق 60 ألف شركة في 2024، مما يضعف الثقة في الاقتصاد ويزيد من صعوبة جمع الأموال.

خفض تصنيف الاقتصاد الإسرائيلي الائتماني وصل إلى مرحلة طاردة للاستثمارات. هبوط قياسي في نمو الناتج المحلي الإجمالي. ارتفاع مستويات التضخم بما يفوق التوقعات. صعود عجز الموازنة. جمود سياحي وهروب استثماري. تحذيرات من ركود عميق قد يضرب اقتصاد الاحتلال، هجرة واسعة النطاق، تسريح من قطاع التكنولوجيا الفائقة... إذ لم تعد أزمة الاقتصاد الإسرائيلي تخفى على أحد في الداخل أو الخارج، باستثناء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وفريقه، حيث يدأب على إنكار الأرقام التي تشير إلى فوضى مالية عارمة لن تتوقف مع انتهاء الحرب على غزة.

وسخرت هآرتس من "مسارعة نتنياهو لإلقاء اللوم على الحرب رداً على خفض فيتش التصنيف الائتماني". وعلى حد تعبيره "إن الاقتصاد الإسرائيلي قوي ويعمل بشكل جيد"، وإن خفض وكالة فيتش التصنيف الائتماني "هو نتيجة لاضطرار إسرائيل إلى التعامل مع حرب متعددة الجبهات فرضت عليها".

وكانت الحكومة الإسرائيلية تتباهى في السابق بتقارير وكالة فيتش دليلاً على تبرير سياساتها الاقتصادية، فيما سقطت هذه القلعة الأسبوع الماضي. في المقابل، يسعى نتنياهو إلى تأمين استمرارية حكومته حتى الانتخابات في عام 2026، عبر استخدام موازنة 2025 التي لم تقرّ حتى اللحظة. حيث يدرس إمكانية تقديم ميزانية لفترة سنتين 2025-2026. وستسمح له هذه الخطوة بتجنب حلّ الكنيست تلقائياً في 31 مارس/ آذار المقبل إذا لم يجر تمرير الميزانية بحلول ذلك الوقت، وكذلك الحفاظ على ائتلافه.

ويتزايد السخط ضد حكومة نتنياهو، ما يضع الاقتصاد الإسرائيلي أمام حَدّي نفقات العدوان على غزة وتداعياتها من جهة والأزمات الداخلية من جهة أخرى.

الاقتصاد الإسرائيلي يخيف المستثمرين

وبرز يوم الاثنين تزايد المطالب بإغلاق الاقتصاد لمدة أسبوع كامل لإجبار نتنياهو على القبول بصفقة إعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس. جاء ذلك ضمن مؤتمر "منتدى الطوارئ الوطني" الذي جمع أكثر من 100 مسؤول في قطاعات الإنتاج والخدمات لدى الاحتلال، حيث ارتفعت الأصوات داخل المؤتمر لمطالبة هؤلاء بإغلاق الاقتصاد، فيما خاطب مسؤولو الشركات الكبرى نتنياهو في نهاية المؤتمر بالقول: "نريد أن نصدق أنك تفهم دورك التاريخي، هذه هي لحظة الحسم بين السياسة والأخلاق، بين البقاء السياسي والبقاء الوطني. نعتزم هذا الأسبوع اتخاذ خطوات عملية".

وردا على سؤال موقع "كالكاليست" الإسرائيلي حول الخطوات العملية التي يمكن أن يتخذها المؤتمر، أجاب المستثمر في قطاع التكنولوجيا إيل والدمان: "برأيي، إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق، فإن الخطوة ستكون إغلاق الاقتصاد. لا توجد أدوات مهمة أخرى يمكن استخدامها".

وتحدث العالم الإسرائيلي، أهارون تشاتشانوفر، بإيجاز عن أزمة الاحتلال العميقة: "هناك موجة ضخمة من المغادرين. كبار الأطباء يختفون من المستشفيات. تواجه الجامعات صعوبة في تعيين أعضاء هيئة التدريس في المجالات الحيوية، في الفضاء، في الآلات، في أجهزة الكمبيوتر. عندما يغادر 30 ألف شخص من هذا النوع لن يكون هناك بلد هنا".

وما قاله تشاتشانوفر ليس سوى نقطة في بحر الأزمات التي تواجه الاحتلال، حيث إن الأسواق تصنف إسرائيل بالفعل عند مستوى BBB، وهي درجة خطورة تجعل السندات تقترب من الوضع الذي تصبح فيه محظورة على الاستثمار من قبل المؤسسات في العالم.

ووفقاً لموقع "كالكاليست" الإسرائيلي، خفّضت "فيتش" التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى "A"، وهو تصنيف يعتبر الأكثر تسامحاً وتفاؤلاً تجاه الاقتصاد الإسرائيلي، فيما تتفق وكالة التصنيف مع منافستيها "موديز" و"ستاندرد آند بورز" على النقطة نفسها في ما يتعلق بإسرائيل، أي التوقعات السلبية، ما يعني نية خفض التصنيف مرة أخرى في العام المقبل.

والآن، بحسب الموقع الإسرائيلي، أصبح من المستحيل القول إن هناك شركة "بالغت" في تقديراتها، كما حاولت الحكومة الإسرائيلية الادعاء في فبراير/ شباط من هذا العام عندما بدأت وكالة موديز خطوة خفض التصنيف الائتماني.

أصبح من المستحيل القول إن هناك شركة "بالغت" في تقديراتها، كما حاولت الحكومة الإسرائيلية الادعاء في فبراير/ شباط من هذا العام عندما بدأت وكالة موديز خطوة خفض التصنيف الائتماني

ويعرّض تخفيض التصنيف الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل للخطر بشكل مباشر، وذلك في وقت يبتعد فيه المستثمرون على أي حال في ظل الحرب والاحتجاجات ضدها. "إن تسعير مخاطر إسرائيل في الأسواق (حسب مستوى مقايضات العجز الائتماني)، يشير حتى إلى مستوى تصنيف أقل بكثير من المستوى الحالي، وهذا ما يزيد بشكل كبير من قراءة الصورة من قبل الأسواق العالمية"، يوضح الدكتور جيل بافمان، كبير الاقتصاديين في ليئومي، في حديث مع "كالكاليست".

علاوة على ذلك، يؤثر التصنيف الائتماني لسندات إسرائيل بتصنيف سندات الشركات الإسرائيلية، بمعنى آخر، فإن المخاطر لن تقتصر على الاستثمار بالسندات، بل ستمتد إلى عمق الشركات الإسرائيلية.

عجز وديون وانكماش

ويواجه الاقتصاد الإسرائيلي سلسلة من الأزمات، حيث أشارت وكالة فيتش إلى أن العجز المالي المتوقع ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي هما السبب وراء هذا القرار. وتعتقد الوكالة أن العجز المالي سيبلغ 7.8% في نهاية عام 2024.

وبحسب وزارة الخزانة، بلغ العجز الحكومي في يونيو/ حزيران 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي، أو نحو 155 مليار شيكل (41.8 مليار دولار)، وهو أحد أعلى المعدلات في تاريخ إسرائيل، وهو بعيد كل البعد عن سقف 6.6% المسموح به قانوناً، فيما بدأت إسرائيل عام 2023 من دون عجز الذي شرع في التراكم ما بعد بدء الحرب على غزة.

وقد انكمش الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الثاني من عام 2024، وفقاً للبيانات الصادرة الاثنين عن المكتب المركزي للإحصاء، ونشرها موقع "غلوبس". حيث نما الاقتصاد بنسبة 1.2% في الربع الثاني في الفترة من إبريل/ نيسان وحتى يونيو/ حزيران، على أساس سنوي، مما يعكس نمواً سلبياً في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4% على أساس سنوي، عند تعديله وفقاً للنمو السكاني.

ويقل ذلك عن تقديرات استطلاع لرويترز لنمو نسبته 4.4%. وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لا يعكس أي ازدهار قطاعي، بل جاء نتيجة للإنفاق الحكومي الذي ارتفع بنسبة 8.2% في الربع الثاني، في حين انخفض إنتاج الأعمال بنسبة 1.9%.

يأتي هذا بعد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.5% في عام 2022. وباستثناء عام 2020 عندما ضربت جائحة كوفيد وانكمش حينها الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 2.5%، فإن آخر مرة انكمش فيها الاقتصاد كانت في عام 2009، في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

وقال جوناثان كاتس، كبير المحللين لدى "ليدر كابيتال ماركتس": "يواجه الاقتصاد الإسرائيلي صعوبة في التعافي بسبب الحرب، ويرجع ذلك بالأساس إلى مشكلات العرض وليس الطلب". وأشار لـ"رويترز" إلى أن النقص في العمالة الفلسطينية منذ اندلاع الحرب في غزة يحول دون حدوث تعاف كامل للاستثمار في بناء المساكن.

تضخم وخسارة الثقة وضرائب مقبلة

وتمتد المؤشرات الصعبة إلى التضخم، حيث أظهرت الأرقام الصادرة، الأسبوع الماضي، ارتفاع معدل التضخم إلى 3.2% في يوليو/ تموز من 2.9% في يونيو/ حزيران، وهو ما تجاوز هدف التضخم السنوي الذي حددته الحكومة بين 1-3%. وكانت راكيفيت روساك عميناح، الرئيسة التنفيذية السابقة لبنك لئومي الإسرائيلي، قد قالت للقناة الـ12 الإسرائيلية: "لقد كلفت الحرب بالفعل الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 250 مليار شيكل (67.3 مليار دولار)، وتريد المؤسسة الدفاعية (الحربية) زيادة سنوية لا تقل عن 20 مليار شيكل (5.39 مليارات دولار)".

وأضافت أن "العجز أكبر بكثير، فلدينا نازحون وجرحى واحتياجات اقتصادية كثيرة لا يجري احتسابها حتى ضمن تكاليف الحرب".

وصل الأمر بموقع "ذا تايمز أوف إسرائيل" للقول: "لقد استغرق الأمر من إسرائيل ما يقرب من 28 عاماً لكسب ثقة المستثمرين، وأقل من عام لخسارتها"

ووصل الأمر بموقع "ذا تايمز أوف إسرائيل" للقول: "لقد استغرق الأمر من إسرائيل ما يقرب من 28 عاماً لكسب ثقة المستثمرين، وأقل من عام لخسارتها". وقال رونين مناحيم، كبير خبراء الاقتصاد في بنك مزراحي تيفاهوت للموقع ذاته: "انكمش الناتج المحلي الإجمالي للفرد مقارنة بالربع السابق ومقارنة بالربع المقابل من العام الماضي، وهو رقم يشير بوضوح إلى الضرر الكبير الذي تسببه الحرب المستمرة للاقتصاد".

وعملياً، أمام مثل هذه المؤشرات، ستجد الحكومة صعوبة في جمع الأموال من المستثمرين، وسوف تضطر إلى إجراء زيادة حادة في الضرائب وخفض الإنفاق، إلا أن نتنياهو يبذل كل ما في وسعه في الأشهر الأخيرة لمنع زيادة الضرائب. ويبدو أن السبب وراء ذلك هو خوفه من أن يكون هذا العام عاماً انتخابياً.

التكنولوجيا المتقدمة تواجه التسريحات

في العام الماضي، وبغض النظر عن الحرب، انهار حجم الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة التي يقوم عليها الاقتصاد الإسرائيلي. وخلال الحرب، انخفض حجم المستثمرين بنسبة مضاعفة. ووفق موقع "زمان إسرائيل" المتخصص فإنه في يونيو/ حزيران، جرى تسريح حوالي 200 عامل في مجال التكنولوجيا الفائقة أسبوعياً.

وتشير التقديرات السائدة في الصناعة إلى أن ما بين ربع ونصف الشركات قامت بتخفيض عدد موظفيها بنسبة 5 إلى 10% في الأشهر الأربعة الماضية.

ووفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء، أصبح الطلب على العاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة أعلى قليلاً مما كان عليه قبل عام واحد، ولكنه أقل بنحو 45% عما كان عليه قبل عامين، وأقل بنسبة 61% عما كان عليه قبل عامين ونصف العام. في الوقت نفسه، تعرّضت الشركات الناشئة المحلية لأضرار بالغة.

وبحسب تقارير شركة المعلومات SNPI، ففي عام 2022 كانت هناك استثمارات بنحو 15 مليار دولار في الشركات الإسرائيلية، وفي عام 2023 انخفضت الاستثمارات إلى نحو سبعة مليارات دولار.

وفي الربع الرابع من عام 2023، بلغت الاستثمارات في التكنولوجيا الفائقة ما يقرب من 1.3 مليار دولار، وهو أدنى مبلغ منذ عام 2015، وفي الربع الأول من عام 2024 وصلت إلى 1.6 مليار دولار. وفي الربع الثاني ارتفعت الاستثمارات إلى نحو 2.8 مليار، لكن نحو مليارين منها استثمرت في ست شركات فقط، ونحو مليار منها في شركة ويز للأمن السيبراني وحدها؛ في حين أن عدد المستثمرين، الذي انخفض عام 2023، واصل انخفاضه هذا العام بنسبة 20% أخرى.

وكان العام 2020 مع كل الفوضى المرتبطة بفيروس كورونا، متوسطاً في مجال نمو التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية، حيث تم إنشاء 14 شركة "يونيكورن" (قيمتها السوقية مليار دولار أو أكثر)، بحسب موقع "زمان إسرائيل".

من المتوقع أن تشهد إسرائيل إغلاق ما يصل إلى 60 ألف شركة في عام 2024، في الوقت الذي أغلقت فيه 46 ألف شركة أبوابها بعد عشرة أشهر من اندلاع الحرب

وفي عام 2021، تم إنشاء 39 شركة؛ وفي عام 2022 كانت هناك 20 شركة. وفي عام 2023 كانت هناك ثلاث شركات جديدة، وهذا العام أربع شركات "يونيكورن" فقط، وذلك وسط إغلاق شركات وهجرة أخرى إلى الخارج.

إذ من المتوقع أن تشهد إسرائيل إغلاق ما يصل إلى 60 ألف شركة في عام 2024، وفقاً لشركة معلومات الأعمال CofaceBDI. ويأتي هذا التوقع، الذي نشرته "ذا تايمز أوف إسرائيل" في يوليو/ تموز، في الوقت الذي أغلقت فيه 46 ألف شركة أبوابها بعد عشرة أشهر من اندلاع الحرب، وبالمقارنة، اضطر ما يقرب من 76 ألف شركة إلى الإغلاق خلال جائحة فيروس كورونا في عام 2020، بينما في عام عادي روتيني، تغلق حوالي 40 ألف شركة أبوابها.

المساهمون