استمع إلى الملخص
- **السيناريوهات الحكومية وتأثيرها الاقتصادي:** تدرس الحكومة سيناريوهين لرفع الدعم عن الوقود لتحقيق وفورات مالية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتأثير سلبي على القطاع الخاص.
- **اقتراحات لتخفيف الأثر وتنوع الموارد:** يقترح الخبراء تطبيقاً تدريجياً لتخفيض الدعم وتقديم دعم نقدي مباشر، مع تنويع الموارد المالية وتسريع الإصلاحات الهيكلية.
يبدي الكثير من العاملين في مجالات إنتاجية وخدمية في الكويت مخاوفهم من زيادات محتملة في أسعار الوقود خلال الفترة المقبلة مع توجه الحكومة لإعادة هيكلة الدعم، إذ تنذر زيادات الأسعار بارتفاع تكاليف السلع والخدمات، ما ينعكس على مستويات الأسعار.
أحد هؤلاء شاب من جنسية عربية عرف نفسه باسم "أبو خالد"، والذي يعمل سائقاً على شاحنة، أعرب في حديث مع "العربي الجديد"، عن قلقه من تأثير الارتفاع المحتمل في أسعار الديزل على عمله بشكل مباشر، خاصة مع إعلان الحكومة، في 12 أغسطس/ آب الجاري، أنها تدرس سيناريوهين لرفع الدعم عن الوقود في البلاد.
أشار أبو خالد إلى أن زيادة تكاليف الوقود ستدفعه حتما إلى زيادة أسعار الشحن للعملاء، وهذا الوضع ينطبق على باقي السائقين وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة في الكويت، الذين يواجهون تحديات متزايدة مع الحديث عن رفع الدعم عن الوقود، وخاصة الديزل، وهذا سيؤدي تباعاً إلى رفع أسعار السلع ومختلف الخدمات.
ووفق مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن هناك سيناريوهين لرفع الدعم عن الوقود، الأول يتضمن إلغاءً جزئياً للدعم، حيث يتم إعفاء المواطنين فقط من زيادة الأسعار، أما السيناريو الثاني فيتمثل في التحرير الكلي والبيع بالأسعار العالمية، مشيرة إلى أن دراسة الحكومة الكويتية تشمل التركيز على التمييز بين أنواع الوقود المختلفة في رفع الدعم، وتحديد الآثار المحتملة لهذه الخطوة على مختلف القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية.
ويهدف المقترح الحكومي إلى تحقيق وفورات مالية، قد تصل إلى ملياري دولار سنوياً، في حال اتخاذ مجلس الوزراء قراراً نهائياً بهذا الشأن، بحسب المصادر، مشيرة إلى أن الكلفة السنوية لأسعار الوقود في الدولة (بما في ذلك البنزين والديزل) سجلت نحو 976 مليون دينار (3.17 مليارات دولار)، عام 2023، بينما تبلغ قيمة بيع المنتجات النفطية نحو 651 مليون دينار (2.1 مليار دولار)، أي أن الدعم يتجاوز 325 مليون دينار (1.05 مليار دولار)، حسبما ذكر تقرير لموقع "Insider Monkey" المتخصص في الخدمات المالية.
وتعزو تقديرات المحللين أبرز مؤثرات الزيادة المباشرة في كلفة المعيشة بالكويت إلى إلغاء دعم الوقود، فمع ارتفاع أسعار المواصلات ونقل البضائع سترتفع أسعار السلع الأساسية، وهو ما سيؤثر بشكل خاص على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، كما يوضح لـ"العربي الجديد" على متولي، الاستشاري الاقتصادي في شركة استشارات مقرها لندن.
ويحمل هذا التوجه في طياته ضغوطاً معيشية واجتماعية، وفق متولي، موضحا أن الكثير من المواطنين والوافدين أيضاً عادة ما ينظرون إلى رفع أسعار الوقود عبر إلغاء الدعم إلى أنه سيقلص مستويات المعيشة، مشيرا إلى أن الفئات ذات الدخل المرتفع لن تتأثر كثيراً، لكن غالبية سكان الكويت من ذوي الدخل المتوسط وسيتأثرون بشكل كبير.
وتمتد التأثيرات المحتملة لإلغاء دعم الوقود لتطاول القطاع الخاص، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي ستواجه تكاليف تشغيل أعلى، وقد يضطر ذلك الشركات إلى رفع الأسعار أو تسريح العمال أو حتى تقليص أنشطتها، خاصة تلك المعتمدة بشكل كبير على النقل، بحسب الاستشاري الاقتصادي.
وللموازنة بين الإصلاحات الاقتصادية ومصالح المواطنين، يقترح متولي تطبيقاً تدريجياً لتخفيض الدعم في الكويت، مستشهداً بتجربة مصر التي تتبع هذا النهج منذ فترة، معتبراً أن هذا الأسلوب "يسمح للمواطنين بالتكيف تدريجياً مع الزيادات ويقلل حدة الصدمة الاقتصادية"، ويقترح إمكانية تقديم دعم نقدي مباشر للفئات الأكثر احتياجاً، معتبرا أن هذا النهج يحمي الفئات الأكثر ضعفاً مع تحقيق الأهداف المالية المرجوة.
ويشير متولي إلى إمكانية موازنة تخفيض الدعم الحكومي في الكويت بإجراءات أخرى، مثل تخفيض بعض الضرائب أو رسوم الخدمات العامة، لافتا إلى أن هذه الإجراءات قد تساعد في تخفيف العبء على المواطنين والمقيمين. ويشدد الاستشاري الاقتصادي على أن أهم استراتيجية اقتصادية للكويت هي تنويع الموارد المالية بشكل فعلي، ويشير إلى أن الكويت لديها خطط وطموحات في هذا الصدد لكنها لم تحقق تقدماً كبيراً مقارنة بدول مجاورة، داعيا إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية وتعديل اللوائح والقوانين لجذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل جديدة.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي الكويتي محمد رمضان، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة التمييز بين أنواع الوقود المختلفة عند الحديث عن رفع الدعم، مؤكداً أن لكل منتج تأثيرات مختلفة على الاقتصاد والمجتمع.
وفي ما يتعلق بوقود السيارات العادية، يرى رمضان أن تأثير رفع الدعم عنه سيكون محدوداً، لأن استهلاك هذا النوع من الوقود محصور في نطاق ضيق ولا يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الكلي. أما بالنسبة للديزل، فيحذر رمضان من أن رفع الدعم عنه قد يكون له تأثير كبير على تكاليف الشحن بشكل عام، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار بشكل ملحوظ، كما قد يتسبب في ارتفاع حاد في الأسعار وتضخم كبير، مشددا على ضرورة إجراء دراسات معمقة لتحديد كيفية التعامل مع هذه القضية.
ويلفت إلى أن الدراسة المشار إليها يجب أن تتضمن إجابات واضحة عن التساؤلات بشأن ما إذا كانت الدولة بحاجة إلى إجراء رفع الدعم عن الوقود كضرورة، وهل سيتم تطبيق هذا الرفع على المواطنين والمقيمين على حد سواء أم على المقيمين فقط؟ وهل سيتم تطبيقه تدريجياً أم دفعة واحدة؟
ويشير إلى تجارب بعض دول مجلس التعاون الخليجي التي شهدت ارتفاعاً في أسعار الكهرباء والطاقة أخيرا، موضحاً أن ذلك أدى إلى انخفاض مستوى المعيشة للمواطنين والمقيمين على حد سواء، ويرى أن رفع الدعم عن وقود السيارات العادية، حتى لو وصل إلى 100%، لن يكون له تأثير كبير مالياً بالنسبة للدولة نظراً لأن أسعار الوقود في الكويت لا تزال من بين الأرخص في العالم، لكنه يحذر من أن رفع الدعم عن أنواع الوقود الأخرى، خاصة الديزل، قد يكون له تأثير أكبر على تكاليف الشحن وغيرها من القطاعات الاقتصادية، وهو ما سيكون له مردود اجتماعي واسع النطاق.