أزمة أنبوب غاز الجزائر للمغرب: قطيعة اقتصادية وبدائل مكلفة

02 نوفمبر 2021
صعوبات بالغة تواجه الجزائر في توفير بدائل لتصدير الغاز إلى إسبانيا (فرانس برس)
+ الخط -

انعكست التوترات السياسية بين الجزائر والمغرب على المصالح الاقتصادية المشتركة بينهما، إذ قررت الجزائر وقف أنبوب الغاز مع المغرب، وسط خسائر مرتقبة للطرفين في ظل البدائل المكلفة لهذه الخطوة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الجزائر إلى البحث عن بدائل لتعويض الإمدادات إلى إسبانيا، تدرس الرباط خيارات استيراد الغاز من دول أخرى بعدما فقدت حصتها من الغاز التي كانت تحصل عليها من جارتها.

وتمر العلاقات بين الرباط والجزائر بتوتر دبلوماسي، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين منذ شهر أغسطس الماضي.
وأثار القرار الجزائري بوقف أنبوب الغاز مع المغرب، المخاوف من خسائر ستصيب الطرفين في ظل البدائل المكلفة، وتأتي هذه الخطوة على خلفية التوترات السياسية المتصاعدة بين البلدين، خلال الفترة الأخيرة.

أثار القرار الجزائري بوقف أنبوب الغاز مع المغرب، المخاوف من خسائر ستصيب الطرفين في ظل البدائل المكلفة

وفصلت الجزائر رسميا في مصير أنبوب الغاز العابر للتراب المغربي نحو إسبانيا، بعدما قررت عدم تجديد العقد الذي يربطها بالرباط والذي انتهى في 31 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي والانتقال للأنبوب الثاني المتوسطي "ميد-غاز".
وكشفت رئاسة الجمهورية الجزائرية في بيان لها، أول من أمس، أن "رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمر الشركة الوطنية سوناطراك بوقف العلاقة التجارية مع الشركة المغربية بـ"الديوان المغربي للكهرباء والماء"، وعدم تجديد العقد، وذلك بعد استشارة الوزير الأول وزير المالية، ووزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، ووزير الطاقة والمناجم، بالنظر إلى الممارسات ذات الطابع العدواني، من المملكة المغربية تجاه الجزائر، التي تمسّ بالوحدة الوطنية".
وأضاف البيان أن "رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تسلم تقريرا حول العقد الذي يربط سوناطراك بالديوان المغربي للكهرباء والماء، والمؤرخ في 31 يوليو/تموز 2011، الذي ينتهي (انتهى) في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، منتصف الليل".

وقطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع الرباط منذ أغسطس/آب الماضي. وفي أعقاب ذلك، قالت مصادر في شركة سوناطراك النفطية الجزائرية إنه جرى إبلاغ إسبانيا بأن الجزائر ستضمن تموينها بالغاز عبر أنبوب "ميد غاز" المباشر بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وفي 26 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت وزارة الطاقة الجزائرية أن إمدادات الغاز إلى إسبانيا ستكون عبر أنبوب "ميدغاز"، الذي يربط ميناء بني صاف، غربي الجزائر، بألميريا الإسبانية، إذ أبرمت سوناطراك في 15 يوليو/ تموز الماضي، اتفاقاً مع شركة الطاقة الإسبانية "ناتورجي" على زيادة طاقة نقل الغاز عبر "ميدغاز" بنسبة 25% لتصل الإمدادات إلى 10 مليارات متر مكعب سنوياً، اعتباراً من الربع الأخير من العام الجاري.

في 26 أغسطس، أعلنت وزارة الطاقة الجزائرية أن إمدادات الغاز إلى إسبانيا ستكون عبر أنبوب "ميدغاز"، الذي يربط ميناء بني صاف، بألميريا الإسبانية

ويمتد أنبوب "المغرب العربي ـ أوروبا" لمسافة 1300 كيلومتر، إذ ينطلق من حاسي الرمل، جنوبي الجزائر، ويعبر 540 كيلومترا في الأراضي المغربية، قبل أن يواصل مساره، البحري والبري، إلى قرطبة في إسبانيا.
وتعيش العلاقات بين الرباط والجزائر منذ أسابيع توتراً دبلوماسياً، كان من أبرز فصوله إعلان السلطات الجزائرية، في 24 أغسطس/آب الماضي، قطع العلاقات مع المغرب، وهو القرار الذي اعتبرته الخارجية المغربية "أحادي الجانب" و"غير مبرَّر تماماً"، معبِّرة عن "رفض المملكة القاطع المبررات الزائفة، بل العبثية التي انبنى عليها القرار".

قلق من اضطراب الإمدادات
تصاعد القلق في إسبانيا حيال إمدادات الغاز الجزائري، منذ بداية الخلاف بين الجزائر والرباط والمتزامن مع الارتفاع العالمي لأسعار الطاقة، خاصة وأن الجزائر تعد الممون الأول لإسبانيا بالغاز.

وشهد شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي زيارات عديدة لوزراء إسبان إلى الجزائر قصد التحقق من إمكانياتها لتغطية الطلب الإسباني على الغاز، ومدى استجابة أنبوب "ميد غاز" للحاجة الإسبانية من الغاز الطبيعي.
إلى ذلك، كشف مصدر مسؤول في سوناطراك الجزائرية لـ "العربي الجديد" أن "وفدا من شركة ناتورجي الإسبانية يوجد في الجزائر منذ مطلع الشهر المنصرم، لمرافقة سوناطراك خلال فترة التحول من الأنبوب المغاربي إلى الأنبوب المتوسطي "ميد-غاز" وكانت هناك عملية ضخ للغاز بضغط متصاعد خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول دون تسجيل أي مشكل تقني حتى الآن".

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن "المرحلة الأولى يُتوقع أن تعرف بعض الاضطرابات في الإمدادات حيث سيتم رفع ضغط الأنبوب، وقد وضعنا مخططاً ثانياً يعتمد على شحنات بحرية، حيث تم تسخير سفينة نقل للغاز في ميناء بني صاف النفطي غرب الجزائر، وسفينة ثانية في سواحل وهران غرب الجزائر وذلك لتفادي أي اضطراب في إمدادات الغاز نحو إسبانيا".
تشكل قدرة أنبوب الغاز "ميدغاز" مصدر قلق لمدريد، بالنظر للفرق بينه وبين أنبوب "المغرب العربي- أوروبا" الذي تصل الإمدادات عبره إلى 13 مليار متر مكعب سنوياً، خاصة أن أعمال رفع قدرة "ميد غاز" قد تمتد إلى الربع الأول من العام المقبل 2022، في وقت تشير تقارير إسبانية إلى إمكانية ارتفاع الطلب الداخلي للاستهلاك الصناعي والمنزلي حتى نهاية فصل الشتاء المقبل.

ويمتد أنبوب "المغرب العربي ـ أوروبا" لمسافة 1300 كيلومتر، إذ ينطلق من حاسي الرمل، جنوبي الجزائر، ويعبر 540 كيلومتراً في الأراضي المغربية، قبل أن يواصل مساره، البحري والبري، إلى قرطبة في إسبانيا.

أكبر اختبار للجزائر
يرى الخبير الطاقوي ومدير معهد "إيمرجي" للدراسات النفطية في باريس، مراد برور، أن "الجزائر تمر بأكبر امتحان لها، إذ تواجه ضغطا كبيرا من الحكومة الإسبانية التي لا تريد أي مفاجآت غير سارة مع قرب فصل الشتاء، وتسعى الجزائر جاهدة لمنح ضمانات لمدريد، بتنفيذ عقدها مهما كان الطلب الإسباني".

خبير طاقة: على الجزائر أن ترفع طاقة أنبوب "ميد غاز" الذي أنشأه بوتفليقة كملاذ وورقة ضغط على المغرب

تقنيا، يرى الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "أنبوب ميد-غاز يسجل عجزا الآن بـ 5 مليارات متر مكعب، لا يمكن إخفاؤه وهو ما يقلق مدريد، واقترحت سوناطراك على إسبانيا إمدادات موازية عبر السفن البحرية، وهنا إشكال للجزائر وإسبانيا معا، فسوناطراك ستخسر سفناً نفطية ما يعني احتمال خسارة أسواق أخرى كتركيا وسلوفاكيا وحتى فرنسا، وبالنسبة لإسبانيا هناك إشكالية الوقت، حسب ما علمناه سيكون هناك جدول لإمدادات غازية عبر السفن بصفة دورية، لكن إلى متى ستواصل الجزائر بهذه الوتيرة المُكلفة".
وأضاف: "على الجزائر أن ترفع طاقة أنبوب "ميد غاز" الذي أنشأه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة كملاذ وورقة ضغط على المغرب، أتوقع أن تستقر إمدادات الغاز الجزائري نحو إسبانيا خلال يونيو/ حزيران 2022".

تأثيرات على المغرب
أما المغرب فقلل من تأثير القرار الذي أعلنت عنه السلطات الجزائرية، والقاضي بعدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز المغاربي- الأوروبي، مؤكدا على أنه يبحث عن بدائل مستدامة للغاز الجزائري.

وقال المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، إن القرار "لن يكون له حاليا سوى تأثير ضئيل على أداء النظام الكهربائي الوطني".

وأشارت المؤسستان في بيان، أول من أمس، إلى أنه "نظرا لطبيعة جوار المغرب وتحسبا لهذا القرار، فقد تم اتخاذ الترتيبات لضمان استمرارية إمداد البلاد بالكهرباء"، مضيفة أنه "تتم حاليا دراسة خيارات أخرى لبدائل مستدامة على المديين المتوسط والطويل".

وكانت الاتفاقية مع الجزائر تقضي بتزويد المغرب بحوالي 640 مليون متر مكعب في العام على مدى عشرة أعوام.
وتلك الإمدادات كان يتلقاها المغرب بواسطة أنبوب الغاز، الذي يصل الجزائر بإسبانيا مرورا بالأراضي المغربية عبر الأنبوب الذي لم تجدد الاتفاقية الخاصة به التي انتهى العمل بها في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وكان يستعمل الغاز موضوع الاتفاقية من أجل تشغيل محطتين لتوليد الكهرباء بالمغرب، حيث يتعلق الأمر بمحطة عين بني مطهر التي تصل طاقتها إلى 470 ميغاواطا ومحطة تهدارت التي تصل طاقتها إلى 385 ميغاواطا.
وأكدت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، نادية فتاح العلوي، أن إتاوات عبور الغاز الجزائري نحو إسبانيا، والتي تتخذ شكل حصة من الغاز، لم يتم احتسابها ضمن إيرادات مشروع موازنة العام المقبل، الذي يناقشه البرلمان المغربي.

ووصلت قيمة الغاز الذي تلقاه المغرب عبر الأنبوب إلى حوالي 160 مليون دولار كمتوسط سنوي، أي ما يمثل 0.65 في المائة من الميزانية العامة للمملكة.
وتصل إمدادات الأنبوب إلى حوالي 650 مليون متر مكعب من بين 1.3 مليار متر مكعب مستوردة من قبل المملكة، ما يعني أن غاز الأنبوب يمثل حوالي 65 في المائة من حاجيات المغرب المستوردة من الغاز.

ولا يمثل الغاز نسبة حاسمة في إنتاج الكهرباء في المغرب، حيث يمثل حوالي 10 في المائة، بينما تأتي 60 في المائة من النفط و25 في المائة من الفحم و10 في المائة من الطاقات المتجددة.
ولم يكشف بيان المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن والمكتب الوطني للماء والكهرباء عن البدائل التي تعتمد عليها لتعويض الغاز الجزائري، إلا أن الحسين اليماني، رئيس نقابة الغاز والبترول، يؤكد على أنه يمكن العودة لاستعمال الفيول، مع البحث عن مزودين جدد للغاز.

وتفيد بيانات العام الماضي بأن الولايات المتحدة كانت المزود الأول للمغرب بـ420 مليون دولار، متبوعة بالجزائر بـ370 مليون دولار، وإسبانيا 150 مليون دولار والنرويج 95 مليون دولار وبلدان أخرى بنحو 250 مليون دولار.
ومن جانبه، يذهب الخبير في التنمية المستدامة والطاقة المهدي الداودي إلى أن الغاز الجزائري يستعمل في محطتين اثنتين، حيث لا تمثلان نسبة كبيرة في إنتاج الكهرباء كما يحاول المسؤولون الجزائريون تصوير الأمر، مشددا على أن الغاز الجزائري كان لا يوجه لأغراض صناعية.
ويؤكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المغرب استطاع في بعض السنوات تحقيق فوائض على مستوى إنتاج الكهرباء.

ويعتبر المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة ورئيس لجنة البيئة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عبد الرحيم كسيري، أن المغرب سيتأثر نسبيا بالقرار الجزائري، غير أنه يمكنه استيراد تلك المادة من قطر أو نيجيريا مثلا.

ويؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه في الوقت الذي يطرح فيه موضوع الغاز، يتوجب التوجه نحو تسريع السياسة التي ينتهجها المغرب في مجال الطاقات المتجددة، التي وضعت لها خطة واضحة في السنوات الأخيرة، مع التوجه نحو التفكير في الطاقة النووية.

شراء الغاز من إسبانيا
لم يستبعد مصدر مطلع، رفض ذكر اسمه، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يعمد المغرب إلى شراء الغاز من إسبانيا، حيث سيستعمل الأنبوب الذي يربط إسبانيا بالجزائر، من أجل إيصال الغاز إلى المملكة، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أن فاتورة الغاز سترتفع، ما قد يطرح فكرة التحوط من تقلبات الأسعار في السوق الدولية.
ويؤكد رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية، جواد الكردودي، أنه يمكن تعويض الغاز بالفحم في المحطتين اللتين تشتغلان بالغاز الجزائري، في الوقت نفسه الذي يمكن أن تفضي فيه المفاوضات الجارية حاليا إلى التزود بالغاز عبر إسبانيا باستغلال الأنبوب.

ويذهب في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن المغرب يمكنه استعمال بواخر لاستيراد الغاز، مشيرا إلى طلب العروض الذي أطلق في مارس/ آذار الماضي، والذي سيفضي، بعد إسناد الصفقة قريبا، إلى بناء محطات لتحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي.
وقد يطرح في العام المقبل اللجوء إلى الأدوات المالية المشتقة للتحوط ضد المخاطر المرتبطة بطلبات أسعار الوقود. فقد توقعت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية أن يتراجع سعر غاز البوتان في مايو/ أيار المقبل، غير أنها لم تستبعد اللجوء إلى التحوط ضد تقلبات أسعاره في حالة عرفت قفزات كبيرة في السوق الدولية.

وحسب مراقبين من المغرب، يتجلى أن الرباط أقل تضررا من توقف الأنبوب من إسبانيا، التي لم تخف قلقها من احتمال حدوث تعثر في التزود بالغاز عبر أنبوب "غازميد"، الذي يعبر البحر الأبيض المتوسط، هذا في الوقت الذي تسعى الجزائر إلى طمأنتها عبر التأكيد على استعمال البواخر من أجل إبطال الغاز المسال إلى البلد الأوروبي.
وكان رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، أكد في بداية أكتوبر أنه اقترح على اللجنة الأوروبية اللجوء إلى الشراء الجماعي للغاز على غرار ما تم بالنسبة للقاحات، لأن ذلك سيعضد القدرة التفاوضية للاتحاد الأوروبي في ظل ارتفاع أسعار الطاقة.
وينتظر أن تقدم المفوضية الأوروبية في ديسمبر/كانون الأول المقبل حزمة مقترحات تشريعية تهم الغاز، خاصة أن الارتفاعات التي عرفتها أسعار الغاز في أكتوبر لن تكون الأخيرة، بما لذلك من تأثيرات على المستهلك الإسباني.

المساهمون