محمَّلاً بمحفظة صفقات اقتصادية واستثمارية وتجارية كبيرة، يُنهي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الإمارات اليوم الخميس، جولة خليجية بدأها الاثنين بزيارة المملكة العربية السعودية التي انتقل منها إلى دولة قطر أمس الثلاثاء، قبل قدومه إلى أبوظبي.
وقد ركزت الجولة على الاستثمار والتمويل، على أمل إنعاش الاقتصاد التركي الذي يئن تحت وطأة تراجع قيمة الليرة وعجز كبير على عدة أصعدة، وزيادة حادة في التضخم أصبحت مشكلة مزمنة.
وبما يشير إلى تحقيقه لمكاسب من جهوده الدبلوماسية، وافقت السعودية الثلاثاء، على شراء طائرات مسيَّرة تركية، في أكبر عقد دفاعي في تاريخ تركيا، وتتضمن الصفقة إنتاجاً مشتركاً.
وقد أطلقت دول الخليج خططاً ضخمة لتنويع اقتصادها بعيداً من النفط، وتأمل أن تساعد تركيا في تطوير قطاعات محلية ودعم الانتقال التكنولوجي.
وقال مسؤولان تركيان كبيران إن تركيا تتوقع أن تضخ دول خليجية عربية استثمارات مباشرة تقدَّر بنحو 10 مليارات دولار مبدئياً في أصول محلية، نتيجة لجولة أردوغان في المنطقة.
ووصل الرئيس التركي إلى الإمارات آتياً من قطر، حيث التقى أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وأكد الجانبان خلال محادثات بينهما "الرغبة القوية لدى البلدين بتعميق التعاون الثنائي بينهما من خلال تعزيز التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية"، وفق ما أفادت "قنا".
وهذه زيارة أردوغان الثانية للإمارات منذ عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين أواخر عام 2021، بعدما شهدت فترات توتر عديدة في العقد الماضي. فقد دعمت الإمارات وتركيا طرفين متنازعين في الحرب في ليبيا، واختلفتا حيال مسألة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.
وفتحت عودة العلاقات التركية الخليجية الباب أمام زيادة الاستثمارات في الاقتصاد التركي.
وفي مارس/آذار الماضي، وقّعت الإمارات وتركيا اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تهدف إلى زيادة قيمة التجارة غير النفطية إلى 40 مليار دولار سنوياً في غضون 5 أعوام. وعام 2021، جرى تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.
وبلغ إجمالي التجارة غير النفطية بين الإمارات وتركيا ما يقارب 19 مليار دولار عام 2022 بزيادة قدرها 40% عن عام 2021 و112% عن عام 2020، لتصبح تركيا بين أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات، وفق بيانات إماراتية رسمية.
وحطت طائرة الرئيس أردوغان في مطار أبوظبي الدولي، حيث كان في استقباله نائب رئيس الدولة الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان والسفير التركي لدى الإمارات توغاي تونتشر.
ويرافق الرئيس التركي، عقيلته أمينة أردوغان، ووزراء، الخارجية هاكان فيدان، والطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، والخزانة والمالية محمد شيمشك، والدفاع يشار غولر، والصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح كاجر، والتجارة عمر بولاط، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن ورئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية فخر الدين ألطون، وغيرهم من المسؤولين.
ومن المنتظر أن تُقام اليوم الأربعاء مراسم استقبال رسمية في قصر الوطن من قبل رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على أن يعقد الرئيسان لقاءً ثنائياً ويشاركا في مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين، تعقبها مشاركة أردوغان في مأدبة عشاء رسمي يقيمها آل نهيان على شرف الرئيس التركي.
الاستثمار والتجارة بين الإمارات وتركيا بالأرقام
وأوردت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية "وام" أن استثمارات بلادها في تركيا بلغت 7.8 مليارات دولار، حتى نهاية 2021، وسط توقعات بارتفاعها عدة أضعاف بحلول 2030.
وتنوعت الاستثمارات الإماراتية في السوق التركية بين قطاعات شملت الخدمات المالية والعقارات والنقل والمواصلات والطاقة المتجددة والموانئ والخدمات اللوجستية.
وفي مارس/آذار الماضي، وقّعت الإمارات وتركيا اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، خلال قمة رئاسية عبر تقنية الاتصال المرئي، التي يتوقع أن تقفز بالاستثمارات في كلا البلدين عدة أضعاف.
ودشنت الاتفاقية حقبة جديدة من الشراكة والتكامل الاقتصادي، منطلقة من قاعدة علاقات تجارية واستثمارية.
وارتفعت التجارة البينية غير النفطية 40% لتبلغ قيمتها 19 مليار دولار في 2022، ما يجعل تركيا أحد أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات حول العالم بحصة تتجاوز 3% من التجارة الخارجية غير النفطية للدولة.
وبعد دخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة حيّز التنفيذ (لم يحدد موعداً له بعد)، ستُخفَض الرسوم الجمركية على 82% من المنتجات والسلع، وهو ما يمثل أكثر من 93% من قيمة التجارة الثنائية غير النفطية.
كذلك ستُزال الحواجز غير الضرورية أمام التجارة، وتوفير مسارات جديدة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الثنائية، وتعزيز وصول المصدرين المحليين إلى الأسواق، بما في ذلك القطاعات الرئيسية، مثل البناء والمنتجات المعدنية والبوليمرات والمنتجات الصناعية الأخرى.
وتهدف الاتفاقية إلى زيادة التجارة البينية غير النفطية من قيمتها الحالية التي تبلغ 19 مليار دولار إلى أكثر من 40 مليار دولار سنوياً في غضون 5 أعوام، وزيادة الصادرات الإماراتية إلى تركيا 21.7% وزيادة تدفقات الاستثمار.
وبحسب تقرير "وام"، تعتبر "القابضة – ADQ" إحدى أبرز الشركات الإماراتية الرائدة في الاستثمار في تركيا، إلى جانب بنك الإمارات دبي الوطني، وإعمار العقارية، والعالمية القابضة، وجهاز أبوظبي للاستثمار، ومبادلة.
وبتسارع غير مسبوق، نمت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين تركيا والإمارات في آخر عامين، وسط تسخير مقوماتهما لتعزيز أرقام التجارة والاستثمار.
وبحسب ما أوردته "وام"، الأربعاء، جاءت القمم الـ4 السابقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وفبراير/شباط 2022. وفيما عقدت القمة الثالثة عبر الاتصال المرئي في مارس/آذار الماضي، والرابعة في يونيو/حزيران 2023، تعقد القمة الخامسة اليوم الأربعاء في أبوظبي.
ووقعت الإمارات وتركيا عشرات الاتفاقيات الاستراتيجية ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون الثنائي، شملت المجالات الاقتصادية، والأمنية، والبيئية، والتكنولوجية، وغيرها.
ففي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وقّع البلدان عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، في مجالات تكنولوجيا المعلومات، والاستثمار، وبورصتي البلدين، والمصارف، والبنكين المركزيين، والتجارة، والجمارك، والطاقة، والبيئة.
وفي 14 فبراير/شباط 2022، تبادل البلدان 13 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم وبروتوكولاً تهدف إلى تعزيز التعاون وتوسيع الشراكات بينهما، شملت مجالات الاستثمار والصحة والزراعة، إلى جانب النقل والصناعات والتقنيات المتقدمة والعمل المناخي، إضافة إلى الثقافة والشباب وغيرها.
ويشكل الجانب الاقتصادي إحدى أبرز ركائز التعاون المتنامي بين البلدين، حيث تعود انطلاقة العلاقات الاقتصادية القوية بين الإمارات وتركيا إلى فترة تأسيس الاتحاد لتمضي في التطور والنمو عبر السنوات.
ففي عام 1984، وقّعت الدولتان اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني، تبعتها عدة اتفاقيات عززت التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وصولاً إلى توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في مارس الماضي.