أجور ضعيفة لعمال مصر في مواجهة الغلاء... ونقابات مكبلة

01 مايو 2023
أوضاع معيشية صعبة للعمال (أحمد حسن/فرنس برس)
+ الخط -

نظم عدد من العمال في شركات وقطاعات مختلفة في مصر، خلال الفترة الأخيرة، احتجاجات بسبب ضعف الرواتب والدخول والعلاوات الخاصة الممنوحة لهم، مقابل التضخم الكبير والمستمر في الأسعار. فدخل العاملون في إدارة التواصل الهاتفي لخدمة عملاء البنك العربي الأفريقي، في إضراب عن العمل في 12 إبريل/نيسان؛ بسبب أزمة في زيادة الرواتب، وتجاهل البنك لمطالب نحو 100 من العاملين لتوفيق أوضاعهم، وزيادة الرواتب بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الراهنة، رغم الوعود المتكررة من إدارة البنك بتسوية الأزمة.
وقبلها، امتنع نحو ثمانية آلاف من عمال شركة غزل المحلة عن تقاضي "منحة رمضان، احتجاجًا على قلة قيمتها باحتسابها على الراتب الأساسي للعمال، الذي تغير على مدار السنوات.

وطالبوا بصرف زيادة في الأجر بقيمة ألف جنيه كان قد أقرها رئيس الجمهورية لجميع العاملين في الحكومة. لكن الشركة تحايلت على تنفيذ القرار، بادعاء أنه "لا ينطبق على العاملين بالقطاعين العام والأعمال العام"، ما أثار غضب العمال ودفعهم الاحتجاج والامتناع عن صرف المنحة.
في واقع الأمر، هذه الاحتجاجات العمالية، على قلتها -خشية القبضة الأمنية الحديدية في مصر منذ صيف 2013- فإنها تعبر بصدق عن أغلب قطاعات العمال والعاملين والموظفين في مصر؛ وذلك بوضع العمال في قلب المشهد العالمي المأزوم اقتصاديًا بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية على نحو غير مسبوق نتيجة حرب روسيا وأوكرانيا، التي أثرت على دول وشعوب العالم الثالث أكثر من غيرها.

وفي الحالة المصرية تحديداً، انخفضت قيمة الجنيه المصري لترتفع معدلات التضخم على نحو غير مسبوق، ما أدت لتزايد الأعباء على العمال الذين تأتي احتفالات عيدهم اليوم وقد تضاعفت أزماتهم.
وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء -الجهة الرسمية في مصر- ارتفاع معدل التضخم السنوي 19.2 بالمائة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 مقابل 16.3 بالمائة في الشهر السابق. ثم ارتفع معدل التضخم السنوي من 21.9% في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى 26.5% في يناير/كانون الثاني 2023.

بينما أعلن البنك المركزي المصري، أن معدل التضخم السنوي ارتفع من 24.4% إلى 31.2% ما بين ديسمبر/كانون الأول 2022 ويناير/كانون الثاني 2023.
الزيادة السنوية في معدل التضخم لإجمالي الجمهورية، أدت إلى زيادة الأسعار في قطاعات جاء في مقدمتها الطعام والشراب التي زادت 30.9 بالمائة، والرعاية الصحية بواقع 12.4 بالمائة، والنقل والمواصلات 16.6 بالمائة، وقطاع الثقافة والترفيه 32.2 بالمائة. وقطاع المطاعم والفنادق 30.1 بالمائة.
وبتحليل خبراء اقتصاد لتلك الأرقام والبيانات، تكشف أن العامل الذي حصل على علاوة سنوية قيمتها 7%، فقط انخفض أجره فعلياً بنسبة 24.2% أي حوالي الربع.
تحالف أمانات عمال الأحزاب المصرية، عبر في بيان رسمي له، عن أنين العمال المكتوم، برفض نسبة العلاوة التي وصفها بـ"الزهيدة"، ودان مخالفة المجلس القومي للأجور، لقانون العمل، بينما هو الجهة المنوط بها "وضع الحد الأدنى للعلاوات السنوية الدورية بما لا يقل عن 7% من الأجر الأساسي الذي تحسب على أساسه اشتراكات التأمينات الاجتماعية"، بينما تم الإعلان عن صرف 3% فقط من الحد الأدنى لقيمة الاشتراك التأميني.
وحذر التحالف، في بيانه من أنّ "ما حدث من بعض الاحتجاجات العمالية خلال الفترة الماضية، والتي واكبت الحالة الجنونية التي لحقت بسوق الأسعار في مصر، ما هي إلا بداية؛ نظراً لما تعانيه الأسر المصرية جراء ضيق تدني قدرتهم على الوفاء بالاحتياجات الأساسية"، معلناً رفضه "النسبة التي أقرها المجلس القومي للأجور للعلاوة السنوية، كذلك الحد الأدنى المقدر بـ 2700 جنيه للقطاع الخاص و3000 للعاملين بالدولة، حيث إنها أصبحت نسبة لا تتوافق مع الارتفاعات الجنونية للأسعار".

ورغم اشتداد القبضة الأمنية عامًا تلو الآخر، فقد تصدى العمال في مصر لأكثر من عشرة آلاف انتهاكًا خلال عام 2022، طبقًا لرصد دار الخدمات النقابية والعمالية، الذي وثق 10634 انتهاكاً بحق العمال، فصّلها في 900 انتهاك متمثل في تصفية العمالة، و6762 انتهاكًا متمثلًا في تأخر صرف الرواتب، و94 انتهاكًا متمثلًا في الفصل التعسفي، و76 انتهاكًا متمثلًا في قرارات وقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وغيرها من الانتهاكات.
وأجج انتحار أحد عمال شركة يونيفرسال بمدينة السادس من أكتوبر يوم 22 فبراير/شباط 2022، الغضب العمالي الذي تجسد في تظاهرات احتجاجية قامت القوات الأمنية بتفريقها بالقنابل المسيلة للدموع، مع القبض على ثلاثة عمال قبل إطلاق سراحهم ليلاً.
وأرجعت الدار في تقريرها، أزمة العمال في مصر، إلى "تعسف أصحاب العمل الذين يضربون بمعايير العمل الأساسية عرض الحائط، بل وبقانون العمل المصري ذاته، بينما تتراخى الأجهزة الحكومية وربما تتواطأ على مخالفة القانون وإهدار حقوق العمال".
هذه الأزمات العمالية المكتومة، ترجع أيضًا إلى عدم السماح للعمال بتكوين لجانهم النقابية التي تعبر عنهم داخل الشركات والمصانع، ومن ثم تنظيم أنفسهم في نقابات وكيانات عمالية تدافع عنهم.
فعلى سبيل المثال؛ عمد عمال شركة يونيفرسال إلى تأسيس منظمة نقابية، واستكملوا جميع إجراءاتها لدى مديرية القوى العاملة منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، غير أن المديرية استنكفت عن إيداع الأوراق وتسجيل منظمتهم النقابية إلى ما بعد واقعة الانتحار والإضراب في أبريل/نيسان من العام الماضي.
وهو ما حدث أيضًا عمال مع شركة النيل للمواد العازلة بالإسكندرية (بيتونيل) التي شرع عمالها في تأسيس لجنتهم النقابية، إلى مديرية القوى العاملة بالإسكندرية في سبتمبر/أيلول 2021، وحصلوا منها على ما يفيد تسلمها الأوراق، غير أنها أيضاً عطلت تسجيل منظمتهم النقابية واكتسابها شخصيتها الاعتبارية.

المساهمون