تُراكم قطاعات اقتصادية وتونسيون ثروات في زمن الوباء، مستفيدين من تحريك كورونا للطلب على عدة منتجات وخدمات أصبحت أساسية في حياة الناس للتصدي للفيروس القاتل الذي تسبب في أكثر من 16 ألف وفاة في البلاد.
ورغم معاناة الاقتصاد المحلي من انهيار تاريخي في نسبة النمو التي نزلت إلى -8.8 بالمائة تمكن متعاملون اقتصاديون من تحقيق أرباح مهمة مستفيدين من الوباء وزيادة الطلب على أنواع من السلع والخدمات.
وتكشف بيانات رسمية لهيئة السوق المالية أن البنوك وشركات الخدمات المالية من أبرز المتربّحين من كورونا حيث تمكن القطاع المصرفي خلال الربع الأول من السنة الحالية من زيادة أرباحه بـ2.7 بالمائة، وكذلك زادت أرباح شركات الخدمات المالية بـ3.2 بالمائة في ظرف يجابه فيه عملاء القطاع المالي التعثر ومخاطر التخلف عن سداد الديون.
كذلك تبزر ذات البيانات تحقيق قطاع المواد الغذائية المصنعة والمشروبات زيادة في الأرباح 9.7 بالمائة، فيما زادت أرباح القطاع الصحي الخاص بـ6 بالمائة إلى حدود شهر مارس/ آذار الماضي أي قبل بلوغ ذروة الإصابات بالفيروس ذروتها إلى جانب زيادة أرباح المساحات التجارية الكبرى بـ2.7 بالمائة.
كذلك تكشف أرقام معهد الإحصاء الحكومي عن زيادة في أسعار الغذاء الطازج من خضروات وفواكه بـ30 بالمائة دفعة واحدة.
ويؤكد مهتمون بالشأن الاقتصادي أن الكوارث عادة ما تفرز طبقة من الأثرياء الذين يتمكنون من تحقيق فوائد مالية كبرى بالاستفادة من الظروف الاستثنائية على غرار الحروب والكوارث الطبيعية والصحية كما هو الوضع بالنسبة لوباء كورونا.
ويشير الخبير الاقتصادي، خالد النوري، إلى أن التربح ومراكمة الثروة في زمن الأزمات ليس استثناء تونسيا، مشيرا إلى أن الأمر يتنزل في إطار إعادة تقسيم الثروة بسبب الأوبئة أو الحروب أو الكوارث التي تتسبب في سقوط قطاعات وصعود أخرى.
وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن القطاعات التي حققت أرباحا في تونس رغم الأزمة الاقتصادية استفادت من عاملين أساسيين وهما زيادة الطلب على بعض الخدمات ومنها المالية والمصرفية والصحية أو تفكك أجهزة المراقبة وتغوّل المحتكرين على غرار ما حصل في قطاع المواد الغذائية بفرعيها المصنع والطازج.
وأوضح الخبير الاقتصادي في ذات السياق، أن تركيز السلطات على مكافحة الوباء وتسخير كل الإمكانات لمجابهة الفيروس أفسح المجال أمام المحتكرين والمهربين لزيادة الأسعار وتشكيل كارتل غذائي تسبب في قفزات كبيرة في الأسعار يذهب ريعها إلى جيوب هؤلاء المتربّحين من الظرف الوبائي.
كذلك قال النوري إن ارتفاع أسعار المواد الطبية الموردة كبح أرباح القطاع الصحي، مؤكدا تسجيل قطاع المعدات الطبية بمختلف أصنافها لزيادة في الطلب غير مسبوقة فضلا عن ظهور طبقة من المضاربين والمحتكرين في تجارة مكثفات الأوكسجين والكمامات الطبية وغيرها من المواد التي زادت أثمانها بأكثر من 200 بالمائة.
وفي يونيو/ حزيران الماضي باشر مجلس المنافسة التونسي إجراءات تتبع قضائي جزائي ضد عدد من المصارف بسبب فوائد إضافية اقتطعتها من حسابات العملاء مقابل تأجيل سداد قروضهم لمدة ثلاثة أشهر خلال الفترة الأولى للجائحة الصحية في إبريل/ نيسان 2020.
وأعلن مجلس المنافسة (هيئة حكومية) تفعيله للتعهد التلقائي بملف الممارسات المخلة بالمنافسة في القطاع المصرفي وإجراء التحقيقات القضائية في شأنها قصد التصدي لها في حالة ثبوتها.
وفي إبريل/ نيسان الماضي 2020، أعلن البنك المركزي التونسي أن المصارف التونسية سترجئ سداد القروض لثلاثة أشهر، في إطار قرارات جديدة لتخفيف وطأة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة فيروس كورونا.
وأكد رئيس مرصد رقابة (منظمة غير حكومية)، عماد الدايمي، أن مجلس المنافسة أثار الدعوى القضائية ضد البنوك عقب شكوى قدمها المرصد للمطالبة بالتحقيق الرسمي من تربح البنوك من التوظيفات غير القانونية للفوائد على حسابات العملاء خلال فترة الحجر الصحي الشامل التي فرضتها الحكومة في أبريل/ نسيان 2020.
وقال الدايمي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن قطاعات اقتصادية عديدة راكمت الثروة حساب المجموعة الوطنية مستفيدة من تسهيلات تقدمها لها الحكومة وتواطؤ رسمي، وفق قوله.
أعلن مجلس المنافسة (هيئة حكومية) تفعيله للتعهد التلقائي بملف الممارسات المخلة بالمنافسة في القطاع المصرفي وإجراء التحقيقات القضائية في شأنها قصد التصدي لها في حالة ثبوتها.
وأضاف أن المرصد طالب رسميا بالكشف عن سبب تأخر وزارة الصحة في التصرف في اعتمادات ضخمة جرى جمعها من التبرعات لدعم مجهود المستشفيات الحكومية، مرجحا أن يكون لوبي نافذ داخل وزارة الصحة تعمد التأخير في تجهيز المستشفيات لإفساح المجال أمام القطاع الخاص لمراكمة الثروة على حساب التونسيين.
وأفاد الدايمي بأن مرصد رقابة بصدد التقصي حول أسباب تأخر توريد اللقاحات، مرجحا أن يكون متنفذون وراء القرار من أجل تحصيل عمولات عبر الصفقات المبرمة مع مخابر الدواء العالمية.
ومنذ بدء الجائحة الصحية يواجه الأثرياء وأصحاب المجموعات الاقتصادية الكبرى انتقادات كبيرة بسبب ما وصفه التونسيون بضعف تبرعاتهم ومساهمتهم في دعم مجهود الدولة في مقاومة أزمة كورونا، وسط مطالب بضرورة فرض ضرائب على الثروة لمجابهة الجائحة.