"السيولة الطارئة" تستهدف إنقاذ البنوك المصرية من أزمات عاصفة: دوامة الاقتراض

12 يناير 2022
المخصصات المالية للمشروعات الضخمة ومنها العاصمة الإدارية فاقمت الديون (أحمد حسن/فرانس برس)
+ الخط -

ثارت مخاوف من تعرض الاقتصاد المصري لهزات عنيفة بسبب سياسات النظام القائمة على الاقتراض بشراهة داخلياً وخارجياً، وفي هذا الإطار اتخذ البنك المركزي قرارات من أجل تجنب التداعيات الكارثية المحتملة على قطاع البنوك تحديداً عبر منح السيولة الطارئة للبنوك في حال عدم قدرتها على توفيرها من سوق الـ"إنتربنك" أو من الأسواق المالية الأخرى.
وقال خبراء اقتصاد وسياسة لـ"العربي الجديد"، إنّ إعلان البنك المركزي المصري، أول من أمس، عن تعليمات وقواعد منح "سيولة طارئة" للبنوك المحلية لمواجهة أزمات مالية محتملة، "كشف عن عدة قضايا اقتصادية وسياسية خطيرة في بلد تنعدم فيه الشفافية في ما يتعلق بأوضاع الدولة، وخاصة الوضع الاقتصادي".
وأكد الخبراء أنّ الخطوة التي قام بها البنك المركزي "تأتي في إطار محاولات متعددة لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور بسبب سياسات النظام الحاكم القائمة على الاقتراض بشراهة، من الخارج عن طريق القروض المباشرة أو طرح السندات الدولية، أو من الداخل بواسطة البنوك المحلية، لتمويل المشروعات الضخمة التي تنفذها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مثل العاصمة الإدارة والطرق والجسور".
وأضافوا أنّ القواعد التي وضعها البنك "تأتي أيضاً في إطار حزمة من التحوطات لشعوره بأنّ أزمة كبيرة قادمة بسبب مشكلة التضخم العالمية وتوقعات ما بعد كورونا، وأزمة النقد الأجنبي".

وقال البنك المركزي في بيان، الاثنين، إنّه سيمنح السيولة الطارئة للبنوك في حال عدم قدرتها على توفيرها من سوق الـ"إنتربنك" أو من الأسواق المالية الأخرى.
وأكد البنك في بيانه أنّه سيمنح "السيولة الطارئة" للبنوك "ذات الملاءة المالية فقط" ولفترة أقصاها 180 يوماً، ويمكن مد التمويل أو جزء منه لفترات أخرى، على أن يحدد سعر العائد للسيولة الطارئة عند سعر البنك المركزي للإقراض لليلة واحدة، إضافة إلى "هامش يحدده البنك بحد أدنى 5%".
وقال مصدر مالي، فضل عدم ذكر اسمه، إنّ "إشارة البنك المركزي بمنح السيولة المالية الطارئة للبنوك ذات الملاءة المالية فقط، تعني أنّه لن ينقذ بنوكاً أخرى، في حال وقعت أزمة مالية، كما أنّه يعتبر بمثابة اعتراف ضمني وتحذير من البنك المركزي بأنّه أصبحت هناك بنوك تعمل في مصر وتحصل على أموال من المودعين من دون أن تكون لديها ملاءة مالية".
ويوضح المصدر أنّه "بسبب قرار تأجيل الانضمام للمقاصة الأوروبية، أي الربط مع بنك يوروكلير، حدثت أزمة سيولة في مصر، لأنّ الأمل كان معقودًا على أن تقترض حكومة السيسي بضمان الأصول المحلية (الخاصة والعامة)، وعلى أن يوفر هذا القرض سيولة في السوق"، مشددًا على أن "المشكلة الحقيقية تتمثل في أنّ الاقتراض يزيد أصلاً من أزمة السيولة".
وأشار المصدر إلى أنّ "وصف البنك المركزي البنوك ذات الملاءة، وصف مطاط"، مستغرباً أن "يترك البنك المركزي بنوكاً بلا ملاءة تتلقى أموال المودعين".

وأضاف أنّه "كان يجب على الأقل أن يفصح البنك المركزي المصري عن البنوك ذات الملاءة، والبنوك الأخرى، حتى ينتبه المودعون ويوجهوا أموالهم إلى البنوك التي سينقذها البنك المركزي في حال حدوث الأزمة".

وحذر المصدر من أنّ "حديث المركزي المصري عن أزمات محتملة يكشف عن احتمالات خطيرة يمكن أن يواجهها الاقتصاد المصري، تشبه الأزمة التي وقعت في لبنان، والتي تتمثل في عدم قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه المودعين".
والملاءة المالية هي القدرة على السداد، وتشير إلى قدرة البنك على الوفاء بالالتزامات النقدية المطلوب سدادها على المدى الطويل. وتختلف الملاءة المالية عن السيولة والتي تعبر عن "الأجل القصير".
ويؤدي عدم توفر الشركة أو البنك على الملاءة المالية إلى إفلاسها في النهاية. وحتى تتسم الشركة بالملاءة المالية، يتحتم أن تزيد أصولها عن إجمالي التزاماتها المالية، وتؤدي الملاءة المالية إلى تجنب مخاطر التعثر المالي التي قد تتعرض لها نتيجة تغير الظروف الاقتصادية.
وقال سياسي مصري بارز، رفض ذكر اسمه، إنّه "بينما يحاول البنك المركزي المصري إيجاد حلول لمشكلة السيولة النقدية، تقوم حكومة الرئيس السيسي بالإنفاق على بنود أخرى غير ذات أهمية، مثل منتدى شباب العالم، الذي ينعقد في مدينة شرم الشيخ هذه الأيام، وتنفق عليه أكثر من 600 مليون جنيه".

وأضاف المصدر أنّ "المنتدى مثال بسيط على استهتار تلك الحكومة بالشعب الذي يعاني أصلاً من ظروف اقتصادية ومعيشية غاية في الصعوبة، وذلك يحدث في ظلّ حديث دائم من السيسي وحكومته عن ضرورة إلغاء الدعم عن الغلابة، والذي هو بالأساس لا يشكل رقماً كبيراً في موازنة الحكومة".
وأشار المصدر إلى أنّ "الاقتراض من الخارج من دون حساب، وبشراهة، أمر يهدد كيان الدولة المصرية من أساسه"، مضيفاً أنه "قد تعجز بنوك محلية عن سداد أموال المودعين، لأنّ الحكومة اقترضت تلك الأموال لتنفيذ مشروعات لا فائدة منها سوى أنّها ترضي طموح رئيس الجمهورية وحده، وعندما تعجز الحكومة عن سداد الديون الخارجية التي تقترب من 140 مليار دولار، فتقوم بترحيل الدين إلى سنوات قادمة، فنحن أمام كارثة بكلّ المقاييس".
وارتفع الدين الخارجي لمصر، خلال الربع الرابع من العام المالي 2020/ 2021، بقيمة بلغت 3.02 مليارات دولار بالمقارنة بالربع الثالث من العام المالي الجاري، وبلغت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 34.7%.
وأكد البنك المركزي المصري أن الدين الخارجي لمصر ارتفع ليسجل نحو 137.859 مليار دولار في نهاية العام المالي 2020/ 2021، مقابل نحو 123.490 مليار دولار في نهاية العام المالي 2019/ 2020 ليزيد إجمالي الدين الخارجي بنحو 14.369 مليار دولار.

موقف
التحديثات الحية

وبلغ نصيب الحكومة من الدين الخارجي نحو 82.445 مليار دولار، منها ديون طويلة الأجل بقيمة بلغت نحو 80.455 مليار دولار بنهاية العام المالي.
وأعلن البنك المركزي المصري عن مجموعة من الشروط (ضمانات مقبولة) لتقديم سيولة طارئة للبنوك المحلية في حال حدوث أزمات.

وقال البنك إنّ عمليات منح السيولة الطارئة "تعتبر أداة من الأدوات المتاحة للبنوك المركزية التي يتم بموجبها دعم البنوك ومساندتها لمواجهة أزمات السيولة على المدى القصير، نظرًا لما قد تمثله تلك الأزمات من تهديد لاستمرارية أعمال البنوك وما قد ينتج عنها من تأثير على المؤسسات المالية الأخرى".
وأوضح البنك المركزي أنّه في حال عدم توافر الضوابط، يجوز للبنك المركزي تقديم السيولة الطارئة بصفته وكيلاً عن الحكومة شرط أن يكون تقديم الدعم ضرورياً للحفاظ على سلامة النظام المصرفي، على أن توافق وزارة المالية على تقديم ضمان قانوني للبنك المركزي، تتعهد فيه بتوفير المخصص المالي لكامل التمويل المقدم.
وأشار خبراء إلى أنّ القواعد الجديدة التي وضعها البنك جاءت بعد وقت من إخطار البنوك بضرورة توفيق أوضاعها والالتزام بتحقيق الحد الأدنى من الملاءة المالية خلال مدة لا تتجاوز 4 سنوات، وإلّا الاختيار ما بين الاندماج مع بنوك أخرى أو الاستحواذ.