ودّعت مدينة القدس المحتلة، عصر اليوم الإثنين، الفنّان والمفكّر والمؤرّخ الفنّي كمال بُلّاطه الذي رحل في برلين مطلع الشهر الجاري بعد خمسة عقود في المنفى، وعاد إليها جثمانه أمس بعد إصرار عائلته على دفنه في مسقط رأسه، واعتبارها ذلك بشارة عودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
وُلد بُلّاطه في مدينة القدس عام 1942 وفيها تعلّم الرسم، ثم درس الفنّ في "أكاديمية الفنون الجميلة" بروما بين 1965 و1960. وخلال احتلال القسم الثاني من القدس عام 1967، كان الفنّان في زيارة إلى بيروت لإقامة معرض، ولم يُسمح له بالعودة إلى فلسطين المحتلّة، فعاش في المنفى حتى رحيله ولم يعد إلى مدينته سوى كـ "زائر" بجواز سفر أجنبي عام 1984.
القدس هي الملهمة الأولى والموئل الأخير في كل أعمال بُلّاطه، محرّكة ذاكرة الطفولة ونضال الشباب وحكمة الكهولة. هي في أعماله، ولكن في فؤاده أيضاً، بوصلته التي يتيه من خلال ترجرج إبرتها تحت وطأة المنفى في كافة أرجاء المعمورة، ولكنه لا يحيد عن الحنين إليها وعن التعبير عن هذا الحنين في كلّ ما كتب ورسم.
عاش في الولايات المتّحدة وشارك في مبادرات ثقافية عديدة، قبل أن يترك واشنطن ويتوجّه إلى المغرب في التسعينيات حيث عاش لبضع سنوات، ثم انتقل بعدها إلى فرنسا التي تركها قبل سنوات قليلة إلى برلين التي وصلها على مشارف السبعين.
تأثّر بُلّاطه بخطوط وتكوينات الفن الإسلامي، فبدا كأّنه يستعيد من خلالها الأشكال الهندسية لقبّة الصخرة وقصور الحمراء وعبقرية العمارة والفن الإسلاميين، كما رسم عدداً كبيراً من ملصقات المقاومة الفلسطينية التي تضيء مسيرة الحرية الفلسطينية في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني.
ولا تقتصر مساهمته على أعماله الفنية التي ظهرت فيها روح الهندسة والفن الإسلامي والروحانية الأيقونية، بل إنه يُعدّ أحد مؤرّخي الفنّ القلائل في العالم العربي، إذ وضَع سلسلة من الأعمال النقدية التأريخية، من أبرزها: "استحضار المكان: دراسة في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر" (2000)، و"الفن الفلسطيني - من 1850 إلى اليوم" الذي صدر بالإنكليزية عام 2009.