مايكل راكوفيتز.. أعمال عن تدمير العراق والعالم

30 يونيو 2019
(راكوفيتز مع أحد أعماله في لندن)
+ الخط -

إذا عبرت من ميدان ترافلجار (الطرف الأغر) في لندن، فسيلفتك تمثال الثور المجنّح الآشوري الذي شاهد العالم عناصر من تنظيم "داعش" يدمّرونه في منطقة نمرود بمدينة الموصل العراقية. ولكن هذه النسخة من نحت الفنّان العراقي الأميركي مايكل راكوفيتز (1975)، وهي مصنوعة من عشرة آلاف علبة من علب شراب التمر العراقي.

إنها صناعة بائدة الآن في العراق، كأن راكوفيتز يريد أن يذكّر بأن تدمير العراق بدأ قبل لحظة نمرود، فأرض السواد كانت تحمل ثلاثين مليون نخلة في السبعينيات بقيت منها ثلاثة ملايين بعد الغزو الأميركي في 2003 (سيصدر الفنان بدعم من بلدية لندن كتاباً عن وصفات التمر العراقية).

النصب واحد من ضمن عدّة أعمال أنجزها الأستاذ في "جامعة نورثوسترن"، تستعيد القطع المنهوبة والمدمّرة وحكاياتِها، ليس فقط منذ ظهور "داعش"، بل وكل تلك القصص المفقودة في أعقاب الاحتلال الأميركي، وهو مشروع بدأ الفنان المقيم في شيكاغو فيه منذ 2007. وحالياً، يقيم "غاليري وايت شابل" في لندن معرضاً لأعماله يتواصل حتى نهاية آب/ أغسطس، وهي جزء من مشروع قيد التطوير والعمل.

عرض راكوفيتز العام الماضي أيضاً سلسلة منها في مدينة بازل السويسرية، وهي جزء من هذا المشروع الذي يعنونه "العدو الخفي لا ينبغي أن يكون موجوداً"، واستنسخ فيها النقوش من قصر نمرود الآشوري، والتي تحولت إلى ركام.

لا تستعيد الأعمالُ المنحوتات فقط. ثمة عمل بعنوان "ليست فقط نوستالجيا... الانفصال" يُظهر رموزاً من السياسة والثقافة العربية: أم كلثوم، ونجيب سرور، والملك حسين، والملك فيصل، وجمال عبد الناصر، ومعمر القذافي، ومحمد عبد الوهاب، وغسان كنفاني... للوهلة الأولى، لا يتبيّن الرابط الذي يجمع بين كلّ تلك الشخصيات، ثم ننتبه فجأةً إلى أنها ترمز إلى الماضي، بأفضل وأسوأ ما فيه، بفنه وثقافته وسياسته، بما كان له وزن ولم يكن.

لا يريد راكوفيتز للحكايات القديمة أن تضيع وسط الحكايات الجديدة، لا قصص آثار نمرود، ولا آثار القرن العشرين. نجده يفكّر في حكايات غريبة ومتباعدة عن بعضها؛ مثل مقتل جون لينون، وانفصال "البيتلز"، وجنازة جمال عبد الناصر، وخريطة القدس.

إنها أعمال عن تدمير العالم كما كنّا نعرفه، ورغم الحزن الذي يغلّف هذه الفكرة، فإن الأمر لن يخلو أحياناً من الروح المتهكّمة من عصرنا. سيعيد بناء الأفاريز المزخرفة في القرن التاسع قبل الميلاد في شمال غرب قصر نمرود ، والتي كانت ذات مرّة قاعة المأدبة حيث استقبل آشورنصربال الثاني ملك آشور الضيوفَ، باستخدام الأغلفة التجارية لعلب سمك السردين المغربي، وحساء الدجاج "ماجي" الحلال، وعبوة "شاي الكبوس" (أول مصنع شاي يمني)، وأنواع من علكة "الشرق الأوسط".

كلّ ذلك يجعل المعرض أشبه بعلبة تاريخ مصنوعة من ورق لاصق وورق مقوّى وعبوات وصور وأوانٍ ومزهريات وخوذات وخناجر ونقوش وآلات موسيقية وأختام أسطوانية.

المساهمون