"سوسة للكتاب": مدينة في مرآة معرضها

29 ابريل 2019
(من المعرض)
+ الخط -

لم ينقض أسبوع على اختتام فعاليات "معرض تونس الدولي للكتاب" (الأحد 14 من نيسان/ أبريل الجاري)، حتى انطلق "معرض سوسة للكتاب" في 19 من نفس الشهر، والذي اختتمت فعالياته أمس الأحد.

التقارب الزمني والمكاني للمعرضين (تبعد سوسة عن تونس العاصمة 140 كيلومترا جنوباً) يفرض أكثر من مقارنة، على صعيد الإقبال الجماهيري ومشاركة الناشرين وثراء البرنامج الثقافي، وهي نقاط تكاد جميعها تصبّ لصالح معرض العاصمة بشكل واضح، فمثلاً لا يتجاوز "معرض سوسة" ربع مساحة "معرض تونس"، والإقبال يبدو في أدنى مستوياته خصوصاً حين يكون بعيداً عن أيام العطل ونهاية الأسبوع، وقد اجتهد منظّموه بتنشيطه من خلال تنظيمه بالتوازي مع معرض يجاوره للأجهزة الإلكترونية.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يفسّر عادل عبّاس، المسؤول عن جناح "دار محمد علي" (تونس)، قلة الجمهور وأيضاً قلة عدد المشاركين بكونه "نتيجة طبيعية للتوقيت الخاطئ، نظراً للفاصل الزمني القصير بين المعرضين".

منشورات "سيراس" من بين الدور التونسية التي اختارت عدم المشاركة، وعن ذلك تقول المسؤولة الإعلامية عن الدار، وداد بن يحمد: "التنقل من معرض إلى آخر يتطلب تنظيماً لوجستياً لا يمكن تأمينه في أربعة أيام، وهذا ما لم يتفهمه منظّمو معرض سوسة". تنقّلت بن يحمد إلى "معرض سوسة" كزائرة من أجل المعاينة ودراسة إمكانية المشاركة في دورات لاحقة، غير أنها تعتبر أن عدم المشاركة هو الخيار الأصوب في ظل ما قالت إنها شاهدته من "سوء تنظيم"، مشيرة إلى أن الغياب لا يتعلّق بدور نشر تونسية فحسب، بل أيضاً بمؤسسات من سوسة ذاتها.

حيال هذه الوضعية، يبدو أن هناك عناصر أخرى تغري الناشرين بالمشاركة. عن ذلك يقول، رياض شنيتر، صاحب "منشورات سوتيميديا" في حديث إلى "العربي الجديد": "من جهتي، كنت أحد مؤسّسي هذا المعرض وهو ما يخلق ارتباطاً معنوياً بين مؤسّستنا وبينه. وبغضّ النظر عن ذلك، أجده ذا مردودية مادية محترمة، ربما يعود ذلك إلى أن المؤسسة نجحت في السنوات الماضية في بناء شبكة قرّاء حولها باتوا يفضّلون أن ينتظروا معرض سوسة على أن يتحوّلوا إلى معرض تونس".

وحول غياب دور نشر تونسية كثيرة عن "معرض سوسة"، ناهيك عن دور نشر عربية كانت قد شاركت في "معرض تونس"، يفسّر شنيتر ذلك بأسباب لوجستية، حيث يلفت إلى "أن دور نشر كثيرة لا تستطيع أن تجابه معرضين متتاليين"، وهو يلفت إلى أنه "لا يوجد من كان حاضراً في دورات سابقة وتغيّب خلال هذه الدورة".

يحضر في المعرض أيضاً ناشرون أجانب، وهو ما يشير إلى أن له جاذبية رغم نواقصه. ينوّه الناشر المصري إسلام فتحي، صاحب "دار الحلم للنشر والتوزيع"، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أن "لمعرض سوسة، على صغره، فضيلة لا تتوفر في المعرض الكبير، إذ يوجد حسن استغلال للفضاء، على عكس معرض تونس الذي تُخصّص له مساحة كبيرة لا يتم استغلالها جيداً".

بالنسبة إلى الناشر المصري، فإن إشكالية معرض سوسة تتعلق بالدعاية له، وهو يقترح هنا "تنظيمه قبل معرض العاصمة وليس العكس، حتى لا يقلل من أهميته، وحتى يكون للتظاهرة صدى أكبر. بالإضافة إلى أن تنظيم معرض سوسة قبل تونس لا يطمس الثاني بل يمكنه أن يلعب دوراً ترويجياً له".

يعتبر فتحي أن بعث معارض كتب في مدن غير العواصم أمر مهم للغاية في سبيل تطوير صناعة الكتب وتسويقها، كما يشير إلى أن الإشكاليات التي لاحظها في معرض سوسة لا تتوفر في مصر، معيداً ذلك لأسباب ديمغرافية أساساً، حيث أن الكثير من المدن المصرية ذات كثافة سكانية عالية، ما يجعل لكل معرض جمهوره الذي يهدّده "معرض القاهرة".

من جهته، يقول أسامة شتات، من "دار الكتب القانونية" (مصر)، إنه يستغرب من "الأفضلية التي تُمنح لمعرض تونس على حساب معرض سوسة، وهو ما يعتبره "تهميشاً له". يقول: "لاحظت أن الدولة تعطي كل دعمها وكل الأهمية لمعرض تونس، حيث نجد رحلات يومية للمعرض من كامل مناطق تونس، بما فيها منطقة الساحل (حيث توجد سوسة)، كما أن المؤسسات الجامعية تكون حاضرة في معرض العاصمة وتشتري كتبها من هناك، وحين يأتي موعد معرض سوسة تكون كل هذه المؤسسات قد أخذت حاجتها من الكتب".

في ظل ذلك، سألنا محدّثنا: ما الذي يغري إذن بالمشاركة في معرض سوسة؟ فردّ قائلاً: "يهمّنا التعريف أكثر بالدار، إضافة إلى أن لنا أصدقاء أوفياء لا يستطيعون التنقّل إلى تونس العاصمة، وهذا جانب رمزي يجعلنا نحافظ على حضورنا في معرض سوسة". بشكل عام، يعتبر شتات أن "تنظيم معارض خارج العاصمة شديد الأهمية، بشرط إيلائها نفس أهمية المعارض الكبرى".

تنطلق جميع هذه القراءات حول وضع "معرض سوسة" من داخل جدران المعرض وتفاعل عناصره، لكن حين نطل على برنامجه الثقافي، والذي بدا شديد المحلية، ربما نكون قد أطللنا على الواقع الثقافي لمدينة سوسة بشكل عام، وهي في ذلك مثل مدن تونسية كثيرة، تعاني من شبه "تصحّر" ثقافي، حيث قلّما نعثر فيها على ندوات فكرية وأدبية على مدار السنة، رغم أن عناصر كثيرة تتهيّأ لها، مثل كونها نقطة جذب سياحي وتعدُّد الجامعات فيها والمثقفين أيضا، إلا أن هؤلاء كثيراً ما نجدهم ينشطون في فعاليات تنظّم في العاصمة أكثر من مدينتهم.

المساهمون