في عام 2014، طبعت بلدية إسطنبول ألبوماً حمل اسم "الأزياء العثمانية بريشة فنان عصر الازدهار جان باتيست فان مور"، يضم لوحات ورسومات للرسام الفرنسي فان مور الذي عُرف بلقب "رسام الملك في الشرق".
هذه الرسومات التي يصل عددها إلى 102 رسمة، طبعت للمرة الأولى في العاصمة الفرنسية "باريس" عام 1714، وأثرت في المجتمع الفرنسي، إلى حد أنها غيّرت طريقة تصميم الأزياء آنذاك وطورتها على نحو فارق. تجاوز تأثير هذه الرسومات الأزياء، فألهمت الموسيقي النمساوي موزارت عمله الأوبرالي "الخطف من السراي" (1782) التي احتوت على الكثير من التفاصيل العثمانية في الموسيقى والملابس.
أصبح هذا الألبوم موضوعاً للأبحاث والدراسات ما بعد الكولونيالية وبالأخص الأبحاث المتخصصة بالاستشراق، حيث بات ألبوم "الأزياء العثمانية" يستعاد مقروناً بما طرحه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتاب "الاستشراق" (1978) حيث فكّك ذلك الخيال الغربي والكيفية التي رسم بها الشرق وقدمه للغرب.
في هذا الإطار، تنعقد ندوة في "معهد كورتولد للفنون" بجامعة لندن عند السادسة من مساء الخميس المقبل (25 نيسان) تحت عنوان "الاستشراق بعد أربعين عاماً"، بمشاركة كل من الأكاديميات ماري روبرتس من جامعة سيدني، وإليزابيث فريزر من جامعة جنوب فلوريدا، وسوزان باباي من المعهد المنظِّم.
تناقش فريزر "ألبوم الأزياء العثمانية بوصفه عامل تعاون واتصال"، وترى أن يمثل عنصراً حيوياً للاتصال في أوائل العالم الحديث من حيث أنه ظل متحركاً وربط بين أمور أنتجت ما بين القرن السادس عشر والتاسع عشر، وتجاوز نقاط المنشأ الجغرافية ليرتبط بجماهير متنوّعة عبر الزمان والمكان على نحو غير متوقع.
وتتطرّق الباحثة التي ستنشر قريباً كتاباً بعنوان "تنقل الأشخاص والأشياء في البحر الأبيض المتوسط في بدايات العصر الحديث"، إلى ألبوم آخر، وهو أحد ألبومات القرن الثامن عشر وهو موجود الآن في "المتحف البريطاني" ويحتوي على 225 صورة لأزياء جرى رسمها في إسطنبول في سبعينيات القرن التاسع عشر ثم تم نقله إلى برلين ثم إلى لندن. في كل محطة في رحلته أضيف عليه وعدّل وأعيد تصنيفه وتسميته، من هنا تأتي الطبيعة التعاونية الأساسية لألبومات الأزياء العثمانية هذه.
بالنسبة إلى ورقة روبرتس، فتتناول أستاذة تاريخ الفن المتخصصة في الثقافة البصرية العثمانية المتأخرة، حياة الأعمال الفنية الإسلامية من خلال تنقلها بين المتاحف العالمية في نهايات القرن التاسع عشر، وتعتبر أنه عند دراسة تنقل الأعمال الفنية فإن الأمر بمثابة الدخول إلى قنوات الاقتناء في تلك الحقبة، ولكن سرعان ما يتضح أننا لا نرى سوى قمة جبل الجليد، فبالحفر أكثر في تاريخ حركة الفن الإسلامي خلال تلك الحقبة، نتعرف على شبكة من العلاقات العثمانية الأوروبية كان المفتاح فيها الرسام البولندي ستانيساو تشليبوفسكي (1835-1884).