يسلّط معرض "سورية، آنذاك والآن: قصصُ لاجئين بعد قرن من الزمن"، الذي يستضيفه "متحف بروكلين" في نيويورك، الضوءَ على تجربة الهجرة واللجوء إلى سورية ومنها. من حقب مختلفة، تأتي القصص التي يتناولها المعرض الذي انطلق في تشرين الأول/ أكتوبر من السنة المنقضية، ويختتم الأحد المقبل. فهناك اللجوء الأرمني المعروف ولجوء الشركس الذين هربوا من الغزو الروسي للقوقاز، في أوائل القرن الماضي إلى سورية ودول المنطقة، كما نقف على قصص السوريين الذين هاجروا إلى نيويورك قبل أكثر من قرن. أما الموضوع الثالث، فيتناول النزوح واللجوء اللذين اضطرّ إليهما الملايين من السوريين بعد الأحداث التي عاشتها بلادهم إثر موجة الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد بداية من 2011.
يُعالج المعرض المواضيع الثلاثة بوسائط وأدوات مختلفة؛ أوّلها الصور الفوتوغرافية التي تُعرض على شاشة متلفزة وفيها صور تاريخية من الحياة اليومية للمهاجرين الذين أتوا من "سورية الكبرى" إلى نيويورك، وهي صورٌ التُقطت بداية القرن الماضي في ما عُرف آنذاك بمنطقة "سورية الصغرى" في منهاتن.
أما القسم الثاني، فيعرض الخزف الأيوبي الذي يعود إلى القرن الثالث عشر والذي اكتشفه لاجئون شركس أثناء بحثهم عن مواد لبناء منازل في مدينة الرقة السورية خلال فترة لجوئهم. كانوا قد وجدوا تلك الأعمال الخزفية التي طُمست تحت الأرض بعد اجتياح المغول للرقة وتدميرها في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي.
أما قصص وحيوات السوريين بعد عام 2011، فيتناولها المعرض عن طريق أعمال لثلاثة فنانين؛ هم: اللبنانية جنان مكي باشو، والسوريّان عصام كرباج ومحمد حافظ؛ حيث يقدّم المعرض أعمالهم - توسّطت قاعة العرض - المستمدة من تجاربهم الشخصية وانتمائهم لأجيال مختلفة، ضمن رؤىً تُبرز نظرة كل واحد منهم إلى قصص اللجوء السوري الحديثة.
طوّعت باشو مادة البرونز والحديد وخردة المعدن لتصنع مجسّمات صغيرة لقوارب تحمل اللاجئين ومجسّمات أخرى تُظهر أفواجاً تحمل حقائبها للرحيل بحثاً عن أماكن آمنة. وتقول في منشور يشرح عملها للزائر الأميركي ويضعه في سياقه الأوسع: "لقد استخدمتُ في عملي خردة المعدن لكي ألفت النظر إلى الانحلال الحضاري الذي نعيشه حالياً. أما المعدن الخام فينقل بؤس الناس في ملابسهم وحقائبهم. كفنانة أعتبر نفسي شاهدة على الزمن الذي أعيشه. توثّق أعمالي الأخبار عن طريق انتقاد العنف الذي يتجلى في نزوح اللاجئين ويعكس الالتزام وهو مانفستو ضد الحرب".
وتلفت باشو الانتباه إلى تجربتها في الحرب الأهلية اللبنانية واضطرارها وأهلها للنزوح إلى أكثر من منطقة وكيف أثّرت تلك التجربة على اهتمامها ومتابعتها لما يحدث في المنطقة. كما تُشير إلى قوارب اللاجئين التي غرقت فيها أعداد كبيرة منهم وهم يركبون البحر باحثين عن النجاة، لتنعكس تلك الهشاشة في الحياة وتترجَم في المادة المصنوعة منها تلك الأعمال.
أمّا أعمال محمد حافظ، فقد جمعت التسجيلات الصوتية إلى جانب المجسّمات. ويشير الفنان السوري في تقديم لواحد من عمَليه المعروضين، وهو تحت اسم "أذان دمشق"، إن العمَل جاء بعد تسجيله صوت الأذان في دمشق خلال زيارته الأخيرة للمدينة عام 2011. ويضيف أنه دمج بين التسجيل لأذان المسجد الأموي، وبين مجسّم لحارة سورية كُتبت على جدرانها شعارات مؤيّدة للاحتجاجات. يؤطّر تلك الحارة الرمزية بمرآة، يقول حافظ إنها تمثّل إشارة إلى المرآة التي اضطر لتركها خلفه قبل مغادرة المدينة. ويصف تلك اللحظات بأنها كانت هادئة، لكن جواً من التوتّر الشديد والترقب سادها.
أما سيارة "الجيب" من ماركة "تويوتا"، التي وضعها في المجسّم، فيقول إنها ترمز لشبيهتها في الواقع، والتي كانت تبعث الرعب في نفوس أولئك الذين تقف أمام بيتهم، لأنها كانت تابعة للمخابرات السورية. أما المجسّم الثاني، ففيه حقيبة ترمز إلى رحلة اللجوء ويخرج منها مجسّم عمارة لا ترمز بطبقاتها المختلفة إلى آثار الحرب والصدمات التي تعرّض لها السوريون مؤخراً فقط، بل كذلك إلى تلك التي عرفها لاجئون آخرون هربوا من ويلات الحروب في بلادهم.
أمّا عمل عصام كرباج، والذي حمل عنوان "مياه داكنة، عالم يحترق"، فهو عبارة عن مجسّمات لقوارب بألوان كالأزرق والأحمر تتوسّط كل منها عيدان كبريت بأحجام مختلفة أُحرقت رؤوسُها.
ويشير كرباج إلى أنه استوحى العمل من سفن المهاجرين السورية التي حملتهم وحملوا داخلهم جروحهم وهمومهم المرئية وغير المرئية. ويضيف في تقديمه للعمل: "إن الكثير منهم لم يفقدوا بلادهم وممتلكاتهم وبيوتهم وأهلهم فحسب، ولكنهم فقدوا كذلك كبرياءهم وهويتهم. لقد فقدوا المرئي وغير المرئي، ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم". وعن البحر ومعناه بالنسبة إلى هؤلاء الذين يركبونه هرباً من ويلات الحروب، يرى أنه قد تحوّل لدى كثيرين إلى طريق رعب تُقرَّر فيها مصائر الكثيرين منهم: إمّا الحياة أو الموت.