يُمكن اعتبار الشاعر الفلسطيني، عبد الرحيم محمود (1913 ـ 1948)، واحداً من ثلاثة أبرز شعراء صاغوا الذاكرة الجماعية الفلسطينية في فترة الاستعمار البريطاني، لكنه تفرّد عن إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) بانخراطه الفعلي في ساحات النضال عبر مشاركته في ثورة 1936، مساعداً لقائدها العام عبد الرحيم الحاج محمد.
بتلك الالتقاطة، بدأ المؤرّخ مصطفى كبها حديثه عن الشاعر والمناضل الفلسطيني، خلال أمسية استعادية نظّمتها "جمعية الثقافة العربية" في حيفا أمس الأربعاء، لمناسبة مرور سبعين عاماً على استشهاده، وشاركت فيها أيضاً الشاعرة أسماء عزايزة.
يتوقّف كبها عند محطّتين بارزتّين في حياة محمود: الأولى انتقاله، بعد الثورة، إلى بغداد حيث التحق بالكلية العسكرية التي تخرّج منها برتبة ضابط، وشارك في ثورة أيار/ مايو 1941 التي قادها رشيد عالي الكيلاني ضد الاستعمار البريطاني في العراق.
تتمثّل المحطّة الثانية في عودته عام 1945 إلى فلسطين؛ حيثُ رجع إلى مهنة التدريس مرّةً أخرى في "مدرسة النجاح الوطنية"، قبل أن يتركها ثانية ويلتحق بصفوف "جيش الإنقاذ" لمواجهة العصابات الصهيونية، إلى أن استشهد في 12 تمّوز/ يوليو 1948 خلال مشاركته في "معركة الشجرة".
من جهتها، قرأت عزايزة قصائد عدّة لعبد الرحيم محمود؛ منها قصيدته "الشهيد" التي يرد في مفتتحها: "سأحمل روحي على راحتي/ وألقي بها في مهاوي الردى/ فإما حياةٌ تسر الصديق/ وإما ممات يغيظ العدا/ ونفس الشـريف لها غـايتان/ ورود المنـايا ونيـلُ المنى/ لعمـرك إنـي أرى مصرعي/ ولكـن أَغُـذُّ إليـه الخطى/ أرى مقتلي دون حقي السليب/ ودون بلادي هـو المُبتـغى".
كما قرأت من غزلياته قصيدته "لقد تهت"، التي يقول فيها: "يا لائمي في الحب دعني فقد/ يزداد باللوم سعير الغرام... سلمى لقد تهت فهذي يدي/ سلمى فقوديني عبر الظلام"، لافتة إلى نزوعه فيها إلى المحافظة فنياً واجتماعياً.
تتزامن الذكرى السبعون لاستشهاد عبد الرحيم محمود مع مرور سبعين عاماً على النكبة. وإضافةً تنظيمها الندوة، أنهت "جمعية الثقافة العربية"، مؤخّراً، أشغال ترميم ضريحه؛ خطوتان تهدفان، حسب الجمعية، إلى "إبداء الوفاء لأحد أبرز شعراء فلسطين في فترة ما قبل النكبة، تميّزت سيرة حياته بالدفاع عن الوطن في مواجهة المخاطر التي كانت تتربص به".