"مفكرة المترجم": مع عز الدين عناية

07 فبراير 2018
(عز الدين عناية)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
كان ذلك حين راعني النقص الفادح في مراجع الأديان باللغة العربية لمّا كنت طالباً في "جامعة الزيتونة" في تونس، فانهمكت حينها في ترجمة كتاب "علم الأديان" للفرنسي ميشال مسلان وأهديته قصداً إلى جامعات الزيتونة والقرويين والنجف والأزهر، وما زلت إلى اليوم أتابع تشعّبات الملل والنِحل، طوراً في علم الاجتماع الديني وتارة في الاستهواد (علم اليهوديات) وأخرى في أصناف المسيحيات.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ترجمة نشرتها كتاب "تخيّل بابل" للمؤرّخ الإيطالي ماريو ليفِراني، وهو مؤلف تاريخي ضخم أتممته في مدة وجيزة، حتى أني من فرط ما انغمست فيه أن روحي غدت وكأنها طلَل من أطلال تلك العاديات. وما أعكف عليه في الراهن كتاب في سوسيولوجيا الأديان، يعالج قضايا تفجّرات المقدّس، وما أحوجنا إلى نبراس في هذا الليل البهيم.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
أن يتسرّب الوهن إليه جرّاء الخراب الذي يجتاح بلاد العرب فيموت التحفّز فيه أو يتلاشى.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
قمتُ بتحرير أكثر من خمسين كتاباً مترجماً من الإيطالية، ومع ذلك ترجماتي يتكفّل بتحريرها محرّر.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
نشرت ترجماتي لدى دور مختلفة، تربطني بأصحابها علاقات مودة، لعلّ ذلك لأني متطهّر من أوهام الكتّاب وراض بما كتب الله لي. فقد نشرت دُزّينة أو أكثر من الترجمات الإيطالية وهي من اختياري ولا دخل للناشر فيها.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقّف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
ربما المحدّد السياسي لاختياراتي في الترجمة أن يكون النص تنويرياً إنسانياً، وألاّ ينخرط في ترويج الخرافة واللامعقول والزيف. كما أن موقف الكاتب الذي أترجم له يهمّني وأرفض أن أترجِم للمتربّصين بحضارتي.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
بعضهم رفقاء درب، لأن بيننا شبَهاً في التفكير والمسار ورؤية العالم.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
قياساً على المثل الإيطالي "يولد المرء شهماً ولا يصير" كذلك "يولد المرء مترجماً ولا يصبح"، فالمترجم الآتي من خارج دائرة الإبداع هو كالعاشق بدون معشوقة. وعلاقة الترجمة بالبحث والكتابة هي علاقة تكامل، كلّما أوغلتُ في براري البحث إلاّ واختزلت الطريق بالترجمات.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
لا تعنيني البتّة، ليس يأساً منها كما يئس الكفار من أصحاب القبور، ولكن لأني حين أترجم تتملّكني لوثة شبيهة بما عبّر عنه إبراهيم بن أدهم في ذلك القول المأثور: "لو علم الملوك ما نحن فيه لقاتلونا عليه".


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
بعض مؤسّسات الترجمة في بلاد العرب هي مؤسسات جادة وحازمة، في حين ثمة غيرها هي هدْرٌ للمال العام وأكذوبة كبيرة باسم الترجمة.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات مُعيّنة في الترجمة؟
ليس لدي قواعد سوى ما تعارف عليه التراجمة؛ ولكن من عادتي حين أترجم أن أصغي بإمعان إلى الذِكر الحكيم.


■ كتابٌ أو نصٌّ ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على نص ترجمته ولكن حزنت على نص أنجزته ثم فقدته، صادره البوليس السياسي من محلّ سكناي في تونس، وهو نص لـ غوستاف مونشينغ حول "تاريخ علم الأديان"، وكان ذلك في زمن حكم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أن نُشفع الترجمة بنقد الترجمة وبذلك يمكن الحديث عن توطين منجز الترجمة، أمّا حلمي فأن أساهم في ردم الهوة التي تفصل الثقافة العربية عن الثقافة الإيطالية، فلم نترجم من إنتاج تلك الثقافة سوى 400 عمل لا غير طيلة تاريخ اللغتين.


بطاقة
ولد عز الدين عناية في مدينة سوسة عام 1966، وهو متخصّص في علم الأديان الذي يُدرّسه في جامعة روما حيث يقيم اليوم. أغلب ترجماته من الإيطالية، وبعضها من الفرنسية، ونذكر منها: "المنمنمات الإسلامية" لماريا فونتانا، و"تخيّل بابل" لماريو ليفراني، و"علم الاجتماع الديني" لسابينو آكوافيفا، و"علم الأديان" لميشال مسلان. ومن مؤلفاته الخاصة: "الدين في الغرب" و"الأديان الإبراهيمية: قضايا الراهن".

المساهمون