"القاهرة" 49: القراءة كفكرة غائمة

11 فبراير 2018
من المعرض (إسلام الشرنوبي)
+ الخط -

اختتمت يوم أمس السبت فعاليات "معرض القاهرة الدولي للكتاب" في دورته الـ 49، بإقبال لا يمكن اعتباره كثيفاً جداً، خصوصاً في أسبوعه الثاني الذي تزامن مع بداية النصف الثاني من العام الدراسي، الأمر الذي جعل من فضاءات المعرض مساحة ممكنة للحركة والتجوّل، فضلاً عن الولوج لساحته بلا ازدحام يذكر أمام بوابات الدخول. كما كان ضعف الإقبال للمفارقة الساخرة فرصةً للمفاوضة مع أصحاب أجنحة العرض حول أسعار الكتب المرتفعة جداً في ظلّ الحالة البائسة لصرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي.

البداية بالحديث عن الإقبال الجماهيري ليس منشؤها تزكية كثافة الإقبال من عدمها - وإن كان لقلّة الإقبال مميزاتها في هذه الحالة كما أسلفنا عند قارئ تتضخّم أمامه أسعار الكتب باطّراد - ولا حتى بمساءلة كثافة الإقبال العددية في مقابل القدرة الشرائية للكتب التي تتزايد أسعارها عاماً بعد عام، وإنما يأتي عطفاً على تصريح تلفزيوني لـ هيثم الحاج علي، رئيس "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، المنظمّة للمعرض، والذي قال فيه إن معرض القاهرة يُعدّ واحداً من أكبر المعارض العالمية على مستوى الإقبال الجماهيري.

وهنا يبرز سؤال يخصّ نيّة ومخطّطات منظمي المعرض: ماذا يريدون تحديداً؟ فإذا كان الإقبال الجماهيري الكثيف علامة للتباهي الدولي وحتى ميزة تفرّد، فمن الذي جدول أيام المعرض بحيث يوافق في أسبوعه الثاني موعد العودة للمدارس، الأمر الذي أثّر على كثافة الإقبال؟ هذا بالوضع في الاعتبار أن الحاج علي نفسه أشار بفخر في دورة المعرض الماضية أن الفئة الأكثر تردّداً على المعرض كانت من الشباب تحت سن 35 عاماً بنسبة تقارب الـ 65%.

وإذا كانت المحاججة هنا هي محاولة تثبيت ميعاد المعرض باعتباره حدثاً سنوياً دورياً، فقد كان مهمّاً التنسيق إذن مع وزارة التربية والتعليم لتأجيل الدراسة أسبوعاً، وهو ما لن يؤثر على سير الدراسة. لكن الأمر أن لا وزارة التعليم يهمّها أمر القراءة، ولا منظّمو "هيئة الكتاب" يلتفتون بحقّ لمفاخرهم وما يعتبرونه نقاط تميّز للمعرض الذي يشرفون عليه.

من جهة أخرى، وعند طرح سؤال من قبيل: ماذا يشتري الناس في معرض القاهرة؟ ستأتي الإجابات متنوّعة بحسب مقام صاحبها، لكن بعض المشاهدات تقول إن الفئة الأكثر تردّداً على المعرض هي فئات الشباب تحت 35 عاماً، والمراهقون منهم تحديداً الذين يبتاعون كتباً تركّز على الرعب والتسلية الخفيفة تحت مسمى الروايات. كما أنه ومنذ أعوام قليلة انضاف لقائمة الكتّاب بعض نجوم الإعلام يدفعهم الطموح إلى حمل "صفة" كاتب أو روائي، مستغلّين قاعدة موجودة سلفاً من جمهورهم من المراهقين المتعطّشين للقاء نجم تلفزيوني أو إذاعي يحظون معه بصورة تذكارية، لتصبح فكرة القراءة والقرّاء والكتّاب غائمة تماماً.


على هامش البرنامج الثقافي

لكن الأمر لا يخلو قطعاً من أمور ذات طابع إيجابي، بعضها يتعلّق باستضافة كتّاب أجانب على هامش البرنامج الثقافي للمعرض، كما حدث في استضافة "قاعة ضيف الشرف" بالمعرض لحوار مع الكاتبة الكوسوفية الشابّة ميرال قريشي، التي تحمل الجنسية السويسرية وتنحدر من عائلة لاجئة، حيث وقّعت نسخاً من الترجمة العربية لروايتها "الحياة هنا" الصادرة عن "دار العربي" بالقاهرة بترجمة علا عادل. فيما استضاف "معهد غوته" الألماني المؤرخ والأكاديمي الألماني نوربرت فراي، في حوار حول كتابه "1968، الثوار الشباب، موجة تمرّد عالمية"، الصادرة ترجمته عن "دار صفصافة" بالقاهرة بترجمة علا عادل أيضاً.

وإن كنّا مع هذا نظنّ أن مثل هذه الاستضافات، يرجع الفضل فيها لسعي دور النشر الخاصة بمخاطبة المراكز الثقافية الأجنبية والكتّاب أنفسهم، ويبقى دور "هيئة الكتاب" هو إتاحة الوقت، والمساحة أحياناً، إذا وضعنا في اعتبارنا أن كِتاباً يتحدّث عن ثورة الشباب في 1968، لن تُفسح له الهيئة مكاناً في قاعات معرضها. نُظّم اللقاء في مقر معهد غوته، ربما لـ"حساسية" موضوعه، أي ثورات الشباب.


تنكيل بالشعر

وليس بعيداً عن أمر الساحة والمساحة، ذلك المخيّم الذي استحدثته الهيئة للقراءات الشعرية باسم شاعر العامية فؤاد حدّاد. الفكرة جيّدة، ووجود خيمة للشعر في قلب أرض المعرض وبين مخيّمات بيع الكتب أمر يستحق الثناء قطعاً، لقربه من روّاد المعرض ومن المارّة العابرين، خصوصاً وأن القاعة الرئيسية التي كانت تقام فيها هكذا قراءات تنزوي في ركن قصيّ من المعرض يتكاسل بسببه البعض عن الذهاب إليها، فضلاً عن هجران الناس للشعر أصلاً.

هلّل كثيرون للفكرة، واعتبروا الأمر إنزالاً للشعر من عليائه، وإنقاذاً له من براثن بطاركة جيل الستينات الشعري، لكن في المقابل وحين النظر لحال خيمة فؤاد حداد وتجهيزاتها، سيبدو الوضع كما لو أن الشعر أُنزل من عليائه، لمرمغة رأسه في التراب.

اختار البعض أن يضع الأمر على طرفي نقيض: الشعر في عليائه مع قاعات مجهّزة و"نظيفة"، وعلى الطرف الآخر الشعر بين الناس في قاعات أقل ما توصف به أنها سيئة التجهيز، هذا فضلاً عن أنه وضع لا يحترم الكاتب، فإنه بالأصل لا يحترم آدمية الناس ولا يوفّر لهم جلوساً مريحاً يمكّنهم من الاستماع والاستمتاع.

الراحل فؤاد حداد نفسه كتب في إحدى قصائده: "ليه كل ما نقول آه/ الناس تقول الله/ أعمل ضلوعي شجر/ علشان ترد اللي غاب/ وترد قلبه شباب". لا أحد بالتأكيد سيطلب من منظمي المعرض الاستجابة للمجاز الشعري عند حدّاد بأن يبسطوا على الشعر والشعراء ظلالهم الوارفة، من أجل استرداد قارئ هَجر الشعر، بل فقط أن يجهّزوا مكاناً لائقاً ومريحاً للجمهور والشعراء على السواء، وبموازاة ذلك مكاناً لائقاً باسم الراحل الذي حمل مخيم ديوان الشعراء اسمه.

دلالات
المساهمون