ركن المصمّم: مع آمال شريف

02 نوفمبر 2018
(آمال شريف)
+ الخط -
تقف هذه الزاوية، مع مصمِّمة غرافيك في أسئلة سريعة حول خصوصيات صنعتها ومساهماتها في الثقافة البصرية العامة للإنسان العربي.

■ كيف بدأت حكايتكِ مع التصميم الغرافيكي أو كيف أصبحتِ مصمّمة؟
الحلمُ قديم جدّاً، يعود إلى طفولتي. هوايتي المفضلة كانت المطالعة التي بدأتُها مبكّراً. كنتُ أُطالع كل شيء؛ من الصحف إلى المجلّات والكتب. وغالباً ما كنتُ أقرأ ما لا يناسب عمري، وكلّما سألني أحد: "شو بدّك تصيري بس تكبري؟"، كنتُ أجيب: "بدّي أعمل كتب". يُعلّقون "يعني كاتبة"، فأجيبهم بنرفزة: "لا، إلّي بيعمل الكتب". لم أكن أعرف اسم المهنة ولا أي شيء عنها حتى قرأتُ في درس القراءة بالفرنسية في الصف الخامس ابتدائي عن الإعلانات. يومَها، اكتشفتُ ماذا أريد أن أُصبح وعشقت هذا الدرس.. طُلب منّا أن نصمّم إعلانات لتعليقها على أعمدة الملعب، فصمّمتُ إعلاناً لشركة "طيران الشرق الأوسط" تظهر فيه طائرة تُحلّق فوق مانهاتن مع برج الحرية بمقاس كبير على كرتون، مع شعار الشركة الذي أخذتُه من كيس ألصقته كما هو على الطائرة المرسومة. كان إعلاني هو الأفضل.


■ هل تعتقدين أن هناك لغةً أو هوية تصميمية عربية خاصّة تعكس ثقافات وهوية المجتمعات العربية اليوم؟
لن أُصنّفها كـ هوية تصميمية. برأيي، غالبيةُ المصمّمين العرب تعكس، في تصاميمها، الذوقَ العام الطاغي. وهناك أنواع: التصميم الشعبي، المزدحم غالباً، ونوع آخر مختلف يعكس الجو العام أو الجمهور الذي يتوجّه إليه.


■ هل يمكن تشبيه التصميم بالعمارة، بمعنى أننا نسكن اليوم في فضاء يصنعه المصمّمون؟
طبعاً؛ فمُصمِّمو الغرافيك هم صانعو اتجاهات فنّية، يُغذّون عالم الميديا والوسائط المتعدّدة، وحضورُهم في أي مشروع ضروري، خصوصاً في عصر الوسائط المتعدّدة والتقنيات الحديثة؛ حيث مصمّمو المواقع وتطبيقات الهواتف الذكية بحاجة للتعاون مع مصمِّمي الغرافيك ليخرج مشروعهم متكاملاً من كافّة النواحي.


■ كيف تنظرين إلى التصميم الغرافيكي، وهل تعتبرينه فنّاً أم صَنعة، ولماذا؟
بالنسبة إليّ هو الاثنان معاً. لأنني أعشق مهنتي وهي حلمي الذي حقّقته، فأنا أعتبرها فناً بحد ذاتها.


■ ما هي أبرز التحدّيات التي تواجه عملك كمصمِّمة؟
في هذا الزمن السريع الذي يتّسم بالتطوّر والتقدّم، خصوصاً في مجال التكنولوجيا، الاطّلاعُ على كل التطوّرات من تقنيات وتطبيقات ضروري للبقاء في سوق العمل.


■ المسؤولية الاجتماعية للمصمّم، كيف ترينَها؟
هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع. تبدأ من التنشئة في المنزل لفهم القضايا الاجتماعية، ثمّ يتعزّز الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية خارج الأسرة: في الثانويات والجامعات خصوصاً؛ حيث يجب أن يُدرَج حسُّ المبادرة الاجتماعية ضمن المناهج والمشاريع المقدّمة من الطلّاب.


■ كيف تُعلّقين على غياب ظاهرة المصمِّم الملتزم بقضايا مجتمعه واكتساح ظاهرة المصمِّم التجاري أو ذلك الساعي إلى العمل لصالح الشركات والمؤسّسات الفنّية الكبرى؟
يعود السبب إلى الخيارات الشخصية برأيي. غالبيةُ شركات الإعلانات الكبرى تدعم قضايا المجتمع. فيما المصمِّم - وأنا أتفهّمه - يسعى إلى إثبات ذاته وإرضائها وتحقيق طموحه على الصعيد الشخصي والمادي. الالتزام بقضايا المجتمع، أو العمل في الجمعيات أو المؤسّسات الإنسانية، لا يتيح لنا الفرصة لتحقيق ذواتنا من الناحية الإبداعية، لأن هذا النوع من العمل في معظمه يستفيد من موازنات ضئيلة، ما ينعكس سلباً في أحيان كثيرة على نوعية الطباعة أو التنفيذ. أقول هذا عن خبرة؛ فبدايةُ عملي كانت في مركز أبحاث لذوي الإعاقة في بيروت، وكنتُ مضطرّةً للقيام بمهام متعدّدة: "الديزاينر" والسكرتيرة والموظّفة التي تذهب إلى البنك والمطبعة.

بعد سنتَين، انتقلتُ إلى جمعية ذات بُعد إقليمي حيثُ تفرّغتُ للتصميم والإشراف على طباعة الكتب والتقارير. لكنّني لم أستطع الاستمرار. بعد خمس سنوات، أخذت قراراً بالتخلّي عن العمل في الجمعيات لإرضاء طموحي الشخصي والسعي وراء حلمي الخاص، فعملتُ وتنقّلتُ في أكثر من عشر مؤسّسات في لبنان. عملتُ، أيضاً، لفترة قصيرة في السعودية، وثلاث سنوات ما بين بيروت والدوحة، وانتهيت إلى عمل بقيتُ فيه ستَّ سنوات. استقلت منذ قرابة سنة لتنفيذ مشروعي الشخصي والذي يُتوِّج خبراتي كافّةً. ولأنني مصابةٌ بشلل الأطفال، أُقدّم دائماً أعمالاً دون مقابل أو بمقابل رمزي. في أحيان كثيرة، يُطلَب منّي عملٌ مدفوع ولكنهم يخبرونني بأنهم لا يملكون إلّا جزءاً من التكاليف، فأُقدّم المساعدة لهذه الجمعيات أو المؤسّسات التي تسعى إلى خدمة المجتمع.


■ ماذا أبقت برامج التصميم الإلكترونية للعمل اليدوي، مقارنة بالسبعينيات والثمانينيات مثلاً؟
تختلف التقنية الحالية كثيراً عن الإخراج في السابق. لم أعمل أبداً يدوياً، لكنني كثيراً ما تابعتُ مخرجِين متمرّسين يعملون باليد. بدايةُ عملي كانت عام 1994، وكانت مباشَرةً بالكمبيوتر. ومع ذلك، فأنا من أنصار رسم المشروع على الورق قبل تنفيذه إلكترونياً. كلُّ ما أُخطّط لعمله أو تصميمه أبدأه على الورق، ولكلِّ مشروع دفترٌ أدوّن كلّ الملاحظات والتصاميم الأولية ورؤيتي عليه.


■ كيف تُقيّمين تعليم التصميم الغرافيكي في الجامعات العربية؟ نلحظ غياب معاهد خاصّة بالتصميم وحتى نقصاً في كليات التصميم، ما السبب في رأيك؟
صادفتُ في حياتي العملية الكثير من خرّيجي الجامعات الكبيرة والعادية. للأسف هناك طلّاب يتخرّجون وهم لا يجيدون تنفيذ فكرتهم، الغالبية العظمى منهم لا يعرفون كيفية التخطيط للمشروع ويفتقدون إلى التطبيق العملي.


■ ما هو آخر تصميم قمتِ به؟
منذ أن أصبحتُ أعمل بشكل مستقلّ، صرتُ أختار بعناية المشاريع التي أريد، خصوصاً إذا كانت ذات طابع جديد أو تحمل رسالة وهدفاً. أعمل حالياً على مشروع خاص بي، وهو تطبيق للهواتف الذكية، وآخر في مجال التكنولوجيا والعمل. كما تطوّعتُ لتنفيذ "براندينغ" كامل لمنظّمة "ملتقى النساء في السياسة في المنطقة العربية" التي أُعَدُّ من أعضائها.


■ هل هناك تصاميم قمتِ بها وتندمين عليها؟
طبعاً، وهي المشاريع التي لم أمتلك قدرة التحكّم في نوعية إنتاجها أو طباعتها... تُزعجني جدّاً المشاريع التي نُفّذت بناءً على رغبة الزبون الذي يتدخّل في الشكل والألوان. هذه مشاريع كنتُ مجبرةً على تنفيذها لأسباب عديدة.


■ يوصَف المصمِّمون بأنهم أصحاب شخصيات "صعبة" و"زئبقية"، أي يصعب التعامل معها... هل توافقين على هذا وما هو تفسيرك، وما هي نصيحتك أخيراً لمن يتعامل مع مصمِّم؟
أُوافق بشدّة. معظمُ من يعملون في المجال الإبداعي يعانون. برأيي، يجب أن لا يخضع المصمِّم للمعايير التي يخضع لها الموظَّف الإداري؛ فالعمل في التصميم، مثل كتابة الشعر والقصة والرسم، بحاجة إلى فسحة من الحرية ليتحدّدَ مسار وشكل المشروع المزمَع تنفيذه. بالنسبة إليّ، في معظم الشركات أو المؤسّسات التي عملتُ فيها، وهي تقريباً أربع عشرة مؤسّسة، كانوا يتفهّمون حاجتي لمجالٍ يتيح لي الحرية مقابل التزامي بمواعيد تسليم المشاريع في الموعد المحدَّد مع ترك الحرية لي في تحديد كيفية عملي. شركةٌ واحدة فقط رفضت إتاحة ذلك المجال لي؛ إذ كنت ملزمةً بالحضور إلى المكتب عند الثامنة إلّا ربعا من صباح كلّ يوم، فتركتُ العمل معهم لعدم قدرتي على تحمُّل هذه الشروط.

نصيحتي للمصمِّمين الجدُد: قبل طلب معاملةٍ مميَّزة ومراعاة حاجاتكم للحرية، اعملوا على إثبات جدارتكم واحترموا مواعيد التسليم. كما أنصحكم بأن لا تقوموا بأعمال لا تجيدون القيام بها... ولا تخجلوا من الاستفسار عنها.


بطاقة
تستند أمال شريف (1968) إلى خبرةٍ تزيد عن 15 سنةً في الإدارة والتصميم والإنتاج. عملت في عددٍ من الجمعيات والمؤسّسات في لبنان وعدة بلدان عربية، كما تكتب وتنشط في مجال حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. العام الماضي، تركت وظيفتها لتعمل كمصمّمة غرافيك مستقلّة. عن ذلك تقول: "أقوم فقط بمشاريع تحتاج إلى تطوير وحلول مبتكرة. كان عليَّ التفرّغ لتنفيذ مشروعي الخاص في مجال التكنولوجيا من أجل مجتمع أفضل".

المساهمون