آنا ليلي أميربور.. الألفة الصافية غائبة

05 سبتمبر 2016
آنا ليلي أميربور
+ الخط -

تُشارك آنا ليلي أميربور، المخرجة الإيرانية الأصل، البريطانية الولادة، الأميركية الإقامة، في الدورة الثالثة والسبعين (31 آب/ أغسطس ـ 10 أيلول/ سيتمبر 2016) من "مهرجان البندقية السينمائي الدولي (لا موسترا)"، بفيلمها الروائي الطويل الثاني "دفعة سيئة" (The Bad Batch)، في المسابقة الرسمية.

أفلام المسابقة الرسمية (20 فيلماً) حديثة الإنتاج. المشاركة فيها مفتوحة أمام كلّ جديد، وتُعرض دولياً "أول مرة". هذا شرطٌ أساسيّ. لن يقف الفيلم الأول أو الثاني حائلاً دون المشاركة. "دفعة سيئة" هو ثاني فيلم روائي طويل لأميربور، بعد عامين على الأول، "فتاة تمضي وحيدة إلى المنزل" (2014).

يكشف الفيلم الأول موهبة تمتلك بذوراً احترافية واضحة، في بناء الدراما، وابتكار الشخصيات، وسرد الحكاية، وإدخال أشكالٍ سينمائية مختلفة في إطار بصري واحد (غرائبية، تشويق، حبّ، جريمة، اجتماع، حكاية مصّاصي دماء، إلخ.). هذه صورة أولى تصنعها المخرجة الشابّة عن نفسها، عبر السينما. ذلك أن معطيات عديدة تخصّ سيرتها الذاتية شبه منعدمة. يُقال إنها تُفضِّل حضوراً سينمائياً، لا شخصياً. هذا أهمّ. السينما مدخلٌ أجمل وأرقى إلى ذات السينمائيّ وروحه. التفاصيل الحياتية تحتلّ مرتبة ثانية، وإنْ تكن مهمّة في تفعيل تواصل أقوى مع الفنان.

مولودةٌ في المملكة المتحدة عام 1980، تنتقل آنا ليلي أميربور، مع عائلتها، إلى الولايات المتحدّة الأميركية، في مطلع شبابها. تختار العائلة "ميامي" (فلوريدا)، قبل استقرارها في "باكرسفيلد" (كاليفورنيا). دراسة عادية، تنتقل بعدها إلى الجامعة: "جامعة ولاية سان فرانسيسكو"، ثم "جامعة كاليفورنيا لوس أنجليس"، ملتحقةً بـ "مدرسة المسرح والسينما والتلفزيون". بداياتها السينمائية تتزامن وبلوغها الثانية عشرة من عمرها. أشرطة وأفلام قصيرة. في الـ 34 من العمر، تُقدِّم نفسها سينمائية شابّة ذات اختلافٍ إبداعي في مقاربة صورة فنية، وفي معالجة حكاية إنسانية، وفي صناعة سينما: "أحبّ جيمس دين، وداي أنتوورد، ومايكل جاكسن، ومادونا، و"بي جيز"، وسيرجيو ليوني، وديفيد لينش، وصوفيا لورين"، تقول. تتوقّف عند بروس لي، وكتابه "أفكار لافتة للانتباه". هذا اختزال أوليّ لتأثيرات متنوّعة تتلقاها الشابّة في حياتها.

الانطلاقة الروائية مع تلك الفتاة التي "تمضي وحيدة إلى المنزل"، الذي يُعتبر "أول فيلم إيرانيّ يرتكز على شخصية مصّاص الدماء، جامعاً إياها بالـ "وسترن سباغيتي" في آن واحد". عوالم غامضة. لقطات موغلة في الرماديّ أو الأسود الداكن. شخصيات مقيمة على حافة النهاية والخراب. صبيّة ملتحفة بالأسود، تتجوّل ليلاً في الأزقة، وتنتشل غريقاً من بؤسه، وتنقذه من ألم أو شقاء. لن يكون الغريق وحيداً، فتعدّد الغرقى دربٌ إلى حبٍّ تكتشفه في شابٍ يمتلك ملامح جيمس دين، بوقفته ولامبالاته الظاهرتين، وبقلقه وارتباكه المخفيين وراء سحنته الداكنة.

الفيلم معقودٌ على الحكاية الأصلية لمصّاص الدماء. الفتاة تبحث عن "ضحايا" في ليل المدينة. تقتات من دمائهم، وتعيش بفضلها. لكنها تملك جانباً إنسانياً. تلتقي من يُفترض به أن يكون ضحية. تكتشف أنه ضحية آخرين، فتعاونه على خلاصٍ منهم. الغرائبية أساسية في البناء الدرامي. الغموض والقسوة البصرية والألوان الداكنة، جزءٌ من اللعبة الفنية. الشخصيات التائهة والوحيدة والعنيفة، أيضاً. عوالم متداخلة، ومسارات متضاربة، وديكور موغل في ملامح عالم صناعيّ قاسٍ وقاتل، ورغبة في الخروج من حفرة الخراب اليومي. اللقطات مُصوَّرة بتقنية تزيد من السواد سواداً، ومن الشقاء شقاء، ومن الألم والتمزّق والقلق ما يُضفي على المناخ العام جماليته المتخبّطة في مصائر معلّقة لأناس وحالات.

لم تطرح أميربور على نفسها سؤال اللغة: "الفيلم بالفارسية. لغة أتحدّث بها مع أهلي. الفتاة شخصية إيرانية في حكاية خرافية إيرانية. الجغرافيا ليست حقيقية. في الفيلم، أستكشف أقبية روحي، برغبة في تشاركها مع الآخرين. هذه ألفة صافية، شيءٌ يصعب العثور عليه في هذا الوقت".

تُرى، كيف تبني آنا ليلي أميربور فيلمها الروائي الطويل الثاني "دفعة سيئة"؟

تقول الحبكة: "في تكساس، في مجتمع معقودٍ على آكلي لحوم البشر، تولد قصّة حبّ"، تحدث في "ما بعد المُرَوَّع"، في "أرض خراب"، في تكساس، عندما يكسر آكلُ لحوم بشر، ذو عضلات مفتولة، قاعدة "لا تلعب مع طعامك". تقول إن جديدها "عنيفٌ جداً"، و"رومانسيٌّ جداً". تقول إنها منبهرةٌ بـ "إل توبو" (1971) لأليخاندرو جودوروفسكي، و"رقصة قذرة" (1987) لإيميل أردولينو: الأول مزيج "وسترن" سريالي بقصّة حبّ مبنية على الفداء والانبعاث. الثاني حكاية فتاة شابّة ولطيفة وهادئة، تكتشف أسرار الحياة والعالم عبر تقنية "الرقص القذر"، المليء بانفعالات فائقة الحساسية، وبفضل لقائها مدرِّب الرقص هذا أيضاً.

المشترك بين الفيلمين؟ حساسية سينمائية إزاء مناخات غرائبية، وعنف جمالي، ورومانسية تواجه قذارة العالم، وفساده. وأيضاً: قصة حبّ في عالم غرائبيّ.

المساهمون