في حوار صحافي، يتحدّث أمبرتو إيكو عن علاقته بالجرائد. يكشف عن قراءتين؛ الأولى هي تلك التي تشبه أية قراءة أخرى، حيث يبحث عن محتوى معلوماتي لفهم الأحداث ومواصلة الحياة بشحنة المعنى تلك، والثانية هي قراءة بعين السيميولوجي التي تحوّل كل الجريدة إلى شبكة رموز، ملاحظاً أن ثمة فروقات بين ما تشاهده هذه العين وتلك. غالباً ما يجري التقاط محاولات التوظيف والتوجيه من هذه الفروقات.
عين السيميولوجي تقود إيكو كي يستقرئ ما تشكّله الصور والعناوين الكبيرة والصغيرة والخطوط والألوان وغيرها من مركّبات صفحة في جريدة. يرى أن الجماليات تفرض على مخرجي الجرائد ما لا يفرضه عليهم رؤساؤهم، وأنها - أي الجماليات - تمسّ بالأفكار والمدلولات وتضعها في سياقات جديدة.
ملاحظة إيكو تعيدنا إلى المربّع الذي تُسحب إليه الصحافة دائماً، فهي متّهمة سلفاً بكونها وسيلة للتلاعب بالعقول. ها هي تبدو هي الأخرى متلاعَباً بها، ليس فقط من جماعات الضغط ومن رأس المال ومختلف الشمّاعات المعروفة، بل أيضاً من رهاناتها الجمالية، وكذلك من معاييرها المهنية والأخلاقية.
لعلنا نقع مرة أخرى في ذلك التوصيف الذي وضعه فرويد حين اكتشف اللاوعي واعتبر أن كل ما نقوم به وكل ما نتذكره لا يقع إلا في قشرة بحر عميق هو اللاوعي. وكذلك كل ما تقوله الصحافة، ليس سوى قشرة لما لم تقله وما لم يُفكِّر فيه حتى صانعوها.