استمع إلى الملخص
- ينقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام: فيديو تركيبي في الطابق الأرضي، صور فوتوغرافية في الطابق الأول تبرز الطبيعة المزدوجة، وصور خارج سياقها الزمني في الطابق الثاني.
- تعتبر روما رمزًا لطبقات الذاكرة والترابط بين الماضي والحاضر، مما ينقل الزوار عبر تناقضات غير مرئية، وخيمينيز له إجازة في الفنون الجميلة وشارك في معارض دولية.
يقول الفنّان الإسباني دافيد خيمينيز إنّ مشاريعه أقرب إلى "فكرة نهر" يُعبَر في مياه من عدم اليقين، حيث القلق والشعور بالضياع يتحوّلان إلى قوّة دافعة لاستكشاف العلاقات التي تربطه بالأشياء والأشخاص والمدن. هذان الشعوران، القلق والضياع، سيكونان المهيمنَين على معرضه "روما"، الذي تنظّمه بلدية غرناطة حالياً في مركز "خوسيه غريرو" بالمدينة الأندلسية، وحتى الثاني عشر من كانون الثاني/ يناير 2025.
يعرض خيمينيز أعماله عن المدينة الإيطالية، التي بدأها منذ عام 2016 في أثناء إقامته في "الأكاديمية الملكية الإسبانية" بروما، وأكملها خلال فترات إقاماته المختلفة في إيطاليا، وفق نهج منفتح وسلس إلى حدّ ما، يحاول من خلاله عرض صور ومنحوتات، والبحث عبرها عن المعاني الخفية التي توجد في المدينة، ما يؤدّي في نهاية المطاف إلى تشكُّل انطباعات تصل حيث لا تصل الكلمات.
ينقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام: في الطابق الأرضي لا يتردّد الفنّان، عبر فيديو تركيبي، في الاعتراف سريعاً بنياته: تقديم صورة عارية عن المدينة بإيقاعات وخطوط عمل مختلفة. في البداية، قد يعتقد الزائر أنّه تجوال الفنان عبر المدينة، لكنّ تقطّعات الفيديو، وتوقّفه، ثمّ عملية تسريعه المفاجئة، سرعان ما توحي بفكرة الرحلة المجزّأة والغامضة وغير المكتملة. لغز هذه الرحلة سيُعرَض في الفيديو الثاني، الذي ما إن يعتقد الزائر أنّه يتناغم مع الأوّل، حتى يدرك أنّه صار مستقبلاً، كأنّ الصور والحركات تريد أن تتّحد، لكنّها تزداد تفكّكاً، كأنّ خطواتنا في المدينة، كلّما عرفنا المدينة أكثر، تزداد ضياعاً وتيهاً.
في الطابق الأوّل من المعرض، يعرض دافيد خيمينيز مجموعة من الصور الفوتوغرافية موزّعة على خطّين متوازيين وغير مكتملين: يحتلّ بعضُها الجدار، بينما يستقر البعض الآخر فوق قاعدة على الأرض، وهو ما يذكّرنا بالعناصر الأثرية التي أعيد استخدامها في الإنشاءات اللاحقة أو التي تملأ اليوم الأفنية والحدائق والمناطق الخارجية للمتاحف.
المدينة رمز لطبقات الذاكرة وللترابط بين الماضي والحاضر
يشير هذا المزيج إلى الطبيعة المزدوجة والمادية الزائلة للتصوير الفوتوغرافي من أجل إبراز العلاقات بين بعض القطع وغيرها، التي تكتمل أو تتباعد أو تتناقض أو يُكمل بعضها البعض. تظهر هنا أيضاً مجموعة من الأعمال الأصغر التي يتردّد فيها صدى صورة أحجية غير مكتملة، وخراب مع قطع مفقودة، بالإضافة إلى لوحة جدارية تشير إلى آلية عمل الفنّان: مطبوعات صغيرة الحجم مع تلك التي يعمل عليها يدوياً؛ شهادة على العملية الدقيقة التي أنتجت المعرض الذي يراه الزائر.
إيقاع الطابق الثاني مختلف تماماً، حيث يمكن ملاحظة رغبة في ترتيب معيّن للقطع، ورغبة في عرض صور خارج سياقها الزمني، في محاولة لجرح الزمن وإيلامه والتغلّب عليه.
المنحوتات التي تآكلت بمرور الوقت، اللون الباهت للفسيفساءات، الأنسجة الرخامية، النباتات الكثيفة للمناظر الطبيعية، المصباح الأمامي المكسور لسيارة، المواد العاطفية، اللوحات، التماثيل المتآكلة، جميعها تُشكّل متواليات عشوائية تصبح قوّة تحويلية للوقت قادرة على توليد معانٍ جديدة مرئية مع طبقات المدينة المتعدّدة.
بالنسبة إلى خيمينيز، ليست المدينة/ روما مجرّد مكان بالمعنى الفيزيائي للكلمة، أي ليست مجرّد أبنية إسمنتية وتماثيل وصروح وأماكن سياحية وصور، إنها رمزٌ لطبقات الذاكرة، وللترابط بين الماضي والحاضر. الصدى، التنافرات، التناقضات، والعلاقات غير المرئية الموجودة بين طبقات الذاكرة جميعها تنقل الزوّار من مساحة إلى أُخرى وتربطهم عاطفياً بفكرة الوقت الذي يُدمّر لكنه يُعيد البناء ويعيد تفسير الأشياء وتشكيلها من جديد.
يُذكَر أنّ دافيد خيمينيز من مواليد إشبيلية عام 1970. حاصل على إجازة في الفنون الجميلة من "جامعة كامبلوتنسي" بمدريد، وشارك في معارض محلّية ودولية في روما ونيويورك وباريس. له ثمانية كتب في التصوير الفوتوغرافي، أبرزها "لا نهاية" (2000)، الذي يُعَدّ من مراجع التصوير الفوتوغرافي في إسبانيا.