نحن والعيد وزكريا تامر

21 ديسمبر 2016
أجواء عيد الميلاد في هامبورغ، تصوير: يعقوب طوبا
+ الخط -

تزدحم شوارع مدينتنا الجديدة هامبورغ، كما هي الآن أغلب المدن الألمانية والغربية، بأكشاك الأعياد الخشبية أو بالخيمات القماشية الحديثة في تقليد سنوي يزورها سكان المدينة أجمعهم تقريباً، كذلك سكان المدن القريبة.

هدايا وألعاب متنوعة ومن أطايب الطعام والشراب والحلويات من كل صنف ولون تحتل شوارع التسوق الرئيسية مع موسيقى احتفالية تنطلق من هنا أو هناك وزينة حمراء وخضراء وذهبية وأضواء دافئة معلقة في سماء المدينة تقارع برد الشتاء وتعلن قدوم العيد السعيد.

تضطر في زيارتك لهذه الأسواق أن تمشي ببطء كالسلحفاة، من جهة بسبب الازدحام مساءً أو حتى ترى وتعاين كل شيء فتستمتع بفرح الموسم وإن لم يكن لك نصيب كبير منه.

وقد سمعت في التلفاز قبل أيام عن رقم خيالي، لم أعد أذكر بالضبط كم يبلغ، هو ما ينفقه الألمان خلال هذه الفترة من السنة بشكل عام: إسراف! ربما... الأمور تبقى نسبية بالنسبة إلينا. أما بالنسبة لصديقي الفنان فإنه يرى الأمور من غير منظار.

لقد ذكرنا هذا الأمر بمشروع فني قدّمه هذا الصديق قبل سنوات عديدة خلت، قارن فيه ما بين مظاهر بذخ الغربيين خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة وبين شقاء وبؤس أطفال العراق وفلسطين (حال أطفال سورية حالياً أيضاً) في حياتهم اليومية كما في أعيادهم.

لقد أتى صاحبنا بصور من العالمين النقيضين ووضعها في لوحاته جنباً إلى جنب ليعلن غضبه أو ربما قرفه. ممن؟ مماذا؟ لا ندري... أو ربما ندري. فهو يعتبر أن هذه الشعوب هي الشعوب المستعمِرة التي كانت ولا زالت سبباً في تخلفنا وفي فقرنا، وهي تنعم برغد العيش بفضل ما امتصته سابقاً جيوشها، وحتى الآن، من خيرات بلادنا وبلاد شعوبٍ فقيرة أخرى.

لكن صديقنا ربما نسي أن هذه الدول وشعوبها "المُبَذّرة" قد دفعت ثمن هدايا أطفالها حربين عالميتين فظيعتين، تدمرت مدنهم ومصانعهم، لكن عزيمتهم وإصرارهم على النهوض لم تتزعزع رغم كل شيء. واستطاع أهلها في ما بعد أن ينسوا أحقادهم وخلافاتهم، أن يضعوها جانباً ويبنوا ما هدموه من أجل مستقبل أولادهم بالعلم والعقل.

والأهم من ذلك أن صديقنا الفنان قد نسي أيضاً أن ما تملكه الدول العربية من طاقات وثروات يكفي لأن يعيش كل من وُلِدَ ما بين المحيط والخليج برفاهية لا تقل عن رفاهية الطفل الألماني أو الأميركي...

صديقي، هذا الإسراف الذي نراه خلال أعيادهم ليس شأننا، فهو ناتج ما اكتسبوه بعملهم وجدّهم، فليرموه في البحر إن أرادوا... ليس من مهمتهم أن يجدوا حلولاً لمشاكلنا المستعصية وإن كانت واضحة جلية. وللأمانة، يا صديقي، معك حق: لقد ركبوا على ظهورنا، لكن الركوب ليس هوايتهم فلو لم يجدوا ظهورنا ورؤوسنا قد نخّت لما تجرؤوا على الصعود، لقد "أرادوا الاستيلاء على مدينة، فأعطيناهم مدنا ومدنا كي نبرهن على أننا لا نبالي بهم، [...] فنحن الأقوياء لأننا مسلحون بالروح والحق لا بالمادة الزائلة والباطل الزهوق..." (زكريا تامر، من النمور في اليوم العاشر).

* فنان تشكيلي سوري مقيم في ألمانيا

المساهمون