"سيف غباش - بانيبال" إلى كتاب الطغرى

11 يناير 2016
(بول ستاركي)
+ الخط -

منذ انطلاقها عام 2006، قد تكون دورة هذا العام هي الأغنى في حياة "جائزة سيف غباش - بانيبال" للترجمة من العربية إلى الإنجليزية، من حيث عدد الأعمال المرشحة وجودتها (29 عملاً). نتائج التحكيم التي أعلنت مؤخراً اختارت المترجم البريطاني بول ستاركي عن ترجمته لرواية الكاتب المصري يوسف رخا "كتاب الطغرى: غرائب التاريخ في مدينة المريخ" لدورة 2015.  

يعرف قارئ الرواية - الصادرة بالإنجليزية عن "منشورات إنترلنك" في أميركا- أنها ذات تضاريس وعرة بلغتها الأم، وأنها رواية طبقات متعددة الأمكنة والأزمنة الحديثة والتاريخية وتتمتع بحرية وطلاقة سردية. بهذا المعنى فإن "الطغرى" ليست العمل التقليدي الذي يستقطب المترجم والناشر الغربي، ومن هنا، يمكن القول إن المترجم قد جازف بترجمة كتاب غير منافس بالمعنى التجاري الذي تفكر به دور النشر.

خيارات ستاركي (1947) لم تكن دائماً من هذا النوع، رغم أن وصفه بالجرأة ليس ببعيد، إذ قدّم إلى الإنجليزية "حجارة بوبيللو" لإدوارد الخراط، لكن بعضاً من خياراته الأخرى لم تكن مستثناة من الذائقة الغربية المعتادة، فهو أيضاً مترجم "عزيزي السيد كاواباتا" لرشيد الضعيف و"الشميسي" لتركي الحمد. ومن ترجماته الروائية أيضاً "متاهة مريم" لمنصورة عز الدين و"ريح شرقية، ريح غربية" لمهدي عيسى الصقر.

 وكانت اللجنة أعلنت في بيان الجائزة أن: "هذا النص يجابه المترجم بتحديات غير عادية، إنه يعكس بجلاء ذلك الشد أو التوتر الجوهري المبثوث خلال صفحات الكتاب ما بين التراث والحداثة من خلال الإحالة الدائمة إلى الموروث الثقافي الكلاسيكي".

وأضافت أن "لغة النص تأرجحت ما بين الكلاسيكية الشديدة الفصاحة والعامية الأكثر معاصرة، مع ازدواج لافت لمستويات لغوية متعددة. ولقد نجح ستاركي في التعامل مع هذه المشكلات بمهارةٍ فائقة فقدّم لنا ترجمة إنجليزية احترافية بارعة لهذه الحكاية المتشابكة والمشاغبة".

اللغة التي اختارها رخا اكتسبت تعقيداتها من محاولات استدراجه وتحيينه للغة المؤرخين القاهريين من أمثال الجبرتي وابن إياس لكن بمنطق معاصر وبلغة بـ"لغة وسطى" هيمنت على أحداث تدور حول محنة الشخصية الأساسية.

فبينما يحاول مصطفى الشوربجي الانفصال عن القاهرة، يعيش تبعات الانفصال عن زوجته في الوقت نفسه. تتوازى المحنتان مع قيام الشوربجي بعدة رحلات يستكشف فيها المدينة التي طالما عاش فيها، فيعود إلى التاريخ الإسلامي فيها وتاريخ اللغة العربية وتجليات العامية، ويعايش مدينة على أعتاب ثورة يناير 2011.

من هنا جاء تحرّر الكاتب الصريح من البنى التقليدية للرواية والسرد، فأدخل عليها الريبورتاج الصحافي والسيرة الذاتية والمتتالية السردية، ثم لجأ إلى التهكم والكوميديا والتهريج المعتاد في لغة أهل القاهرة، وقدّم قراءات في تمثلات داخل المجتمع المصري وأنماط تدينه والتوجه القومي والتربية الأزهرية والمجتمع الأبوي والطبقة الوسطى.

يشار إلى أن ستاركي الذي أعد أطروحته للدكتوراه حول أدب توفيق الحكيم، عمل حتى تقاعده عام 2012 رئيساً لقسم الدراسات العربية في "جامعة درم"، ويشغل حالياً منصب معاون مدير "مركز الدراسات المتقدّمة للعالم العربي"، ويعمل الآن على تقديم رواية "القوقعة" للكاتب السوري مصطفى خليفة ويشتغل كذلك على أحد أعمال الروائي المصري صنع الله إبراهيم.

من جهة أخرى، أشادت لجنة التحكيم بترجمة جوناثان رايت لـ"حيث لا تسقط الأمطار"، رواية الشاعر الأردني أمجد ناصر، والتي صدرت بالإنجليزية عن "منشورات مؤسسة بلومزبري- قطر". واعتبرت أن الميزة البارزة لهذا الكتاب هي النثر ذو الشحنة الشعرية العالية التي نجح جوناثان رايت في نقلها إلى الإنجليزية بلمسة أسلوبية واثقة لا تقل عن الأصل العربي".

تتناول رواية ناصر موضوع المنفى والعودة، وتدور حول البطل الذي يرجع بعد عشرين عاماً من المنفى الى بلدٍ عربي متخيّل تسيطر فيه دكتاتورية عسكرية بشكل كامل على مقاليد النظام السياسي في إصرار عنيد على ديمومة حكمها القمعي.

بدوره، وصف رايت رواية "حيث لا تسقط الأمطار" بأنها "مليئة بالمشاهدات المتبصرة لأثر المنفى على الفرد واستحالة العودة إلى الوطن دون تعرّضه لتحولات عميقة، وهي تستكشف مواضيع الهوية والتحوّل والهرم بطرق مبتكرة وتعكس، في الوقت نفسه، الصراعات الفكرية التي هيمنت على العالم العربي في أواخر القرن العشرين".

الجائزة التي تنظمها "مجلة بانيبال" اللندنية وتشرف على إدارتها "جمعية المؤلفين" في "المملكة المتحدة"، تبلغ قيمتها ثلاثة آلاف جنيه إسترليني، وستمنح في 17 شباط/ فبراير المقبل في حفل يُقام في "مقر المفوضية الأوروبية" في لندن توزع فيه بقية الجوائز الأدبية الأخرى التي تشرف عليها الجمعية.

أما لجنة التحكيم، لهذا العام، فتكوّنت من الباحث روبن أوسل رئيساً للمحكمين، إلى جانب الصحافية سوزانا طربوش، والمترجمة سميرة قعوار، والكاتب ألسيتر نيفِن.

يذكر أن الروائي والمترجم العراقي سنان أنطون قد فاز بالجائزة العام الماضي عن ترجمته لروايته "غاسل الجثث".



اقرأ أيضاً: يوسف رخا: رواية خارجة عن القائمة القصيرة

المساهمون