في خضم الأحداث التي تعيشها المنطقة العربية يبدو أن التطبيع الثقافي بدأ يشق مساربه من جديد، مستغلاً حالة الوهن والتشرذم.
فعلى سبيل المثال، مرّ بصمتٍ مريب الخبر الذي سُرّب لوسائل الإعلام، قبل أسابيع، حول فيلم سيجري تصويره قريباً عن حياة أم كلثوم لمخرجة فرنسية (غيلا براودي) ومنتجة جزائرية (لويزا موران) تؤدي فيه دور كوكب الشرق مغنية استعراضية تُدعى صوفيا السعيدي لطخت صوتها بالغناء في حفل بمناسبة "استقلال إسرائيل" عام 2008.
بعدها، لعبت السعيدي (وهي مجرّد مقلّدة رديئة لمادونا) دور كليوبترا في كوميديا موسيقية للكوريغراف الجزائري كمال والي، وبالطبع حازت نصيبها مما يدخره الغرب من جوائز لصناعة نجوم فاسدة.
لا نتصوّر إهانة أكبر لتاريخ أم كلثوم وصورتها من أن تمثّل دورَها مغنية شاركت في "إحياء" ستينية دولة الجريمة التي سرقت بلداً من أهله في وضح نهار القرن العشرين.
لقد شكلت أم كلثوم مثالاً لفنان التحرّر الوطني وأصبحت صوت الزمان العربي، وما اختيار "شخصية" كهذه لتجسيد دورها في فيلم إلا محاولة جديدة لتحييد سيرتها كمغنية تَحرّر تمثّل الصورة الأكمل لبلدها مصر وللعرب مغاربة ومشارقة.
إن أقل ما يمكن فعله هو التصدّي لمحاولة تشويه أم كلثوم، ففي زمن الإفلاس الذي نعيشه يبقى صوتها وسيرتها إرثاً حياً ورأسمالاً رمزياً من المخزي تركه لعبث المتصهينين.
اقرأ أيضاً: أم كلثوم.. حنجرة الزمان العربي