عزمي بشارة.. الهويات وتوتراتها السوسيوسياسية

الدوحة
avata
فوزي باكير
صحافي من فلسطين. محرّر في قسم المنوعات.
19 نوفمبر 2015
F73D9AB1-A991-4E1A-A6BE-0C9393E4FF49
+ الخط -

قليلة بل ونادرة هي المحاضرات التي قدّمها المفكر العربي عزمي بشارة في السنوات الأخيرة خارج إطار "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات" الذي يديره، إذ يبدو أن مشاريعه البحثية التي تقع في صلب ما تمر بها المنطقة العربية من تحولات (ومن بينها مشروعه لدراسة الدين والعلمانية في سياق تاريخي الذي صدرت منه ثلاثة مجلّدات حتى الآن) باتت جميعها تأخذ حيّزاً لا بأس به من وقته على حساب المحاضرات واللقاءات العامة.

ورغم إقامته في الدوحة منذ سنوات، فهذه هي على حد علمنا المحاضرة الثانية لصاحب "في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي" بعد محاضرة سابقة العام الماضي قدّمها تحت عنوان "الإشكاليات الجديدة للمثقف العربي: التحديات والرهانات" في جامعة قطر.

وإذ باتت أسئلة المواطنة والتحوّل الديمقراطي في المنطقة العربية، من القضايا التي تفرض نفسها، وباتت أيضاً مساحة يُقفز عنها ويجري تجنبها؛ يمكن قراءة محاضرة المفكر العربي، التي جاءت تحت عنوان "تخلخل البنية الاجتماعيّة في الدول بعد الثورات وتأثيراتها" وقدّمها مساء اليوم بحضور جمهور متنوع من المثقفين والأكاديميين والطلبة في "وزارة الثقافة" بالدوحة.

انطلق بشارة في محاضرته من عام 2011؛ "حيث كان هذا العام فاتحةً لحقبة تاريخية ستشهد تحوّلات كبرى"، مسلّطا الضوء على البُنى الاجتماعية المتعدّدة، وما يتعلّق بما يُسمّى بـ "هويات مبنية على جماعات، سواءً كانت حقيقيةً أم متخيّلة، وتعدّدها في الكيان السياسي، ونشوء التوتّرات في هذا الكيان التي قد تقود أحياناً إلى انفصالات".

يرى بشارة أنّ كيانات الدول العربية "لم تقم على أساس القوميات"، موضّحاً أن "نشوء الدولة كان سابقاً على نشوء القومية، وكان على الدولة أن تقوم بعملية بناء الأمّة". في هذه المقدّمة النظرية، يتطرّق أيضاً إلى مفهوم الدولة في عالمنا العربي: "نحن نعتقد أن الدولة قديمة والكيانات السياسية في منطقتنا تُسمّى دولاً. لكن الدولة، في الحقيقة، هي مصطلح حديث أسقطه التقسيم الاستعماري على منطقتنا".

هكذا، يصل بشارة إلى مفهوم المواطنة في مجتمعاتنا العربية؛ إذ يرى أنّ "الأنظمة الاستبدادية، فشلت فشلاً ذريعاً في تأسيس مجتمعٍ يقوم على هذا المفهوم، لسببين؛ الأوّل يتعلّق بتحويل المذاهب إلى طوائف متصارعة، كما هو في العراق وسورية. والثاني يرتبط بعدم بناء مؤسسات مدنية مستقلة، وارتكاز السلطة على المؤسسة العسكرية"، إذ إنّ الجيش الذي يفترض به أن يخدم النظام، أصبح هو النظام نفسه.

يتّخذ بشارة من الشمولية الشيوعية في أوروبا الشرقية نموذجاً، موضّحاً أنّها لم تنجح في بناء مفهوم المواطنة لدى تلك المجتمعات، وعليه "عرفت تلك التجربة انقسامات لبلدان، مثل تشيكوسلوفاكيا، لم توحّدها القومية، والسبب في انقسامها هو عدم بلورة مفهوم المواطنة لدى ذلك المجتمع بشكل سليم".

وفي رأي بشارة، فإنه لا يمكن في عالمنا العربي تطبيق الحل الديمقراطي في الإطار القومي، من دون مشروع سياسي وطني، و"أجندة ديمقراطية وطنية، ومن دون ديمقراطيين ينتظمون لطرح مشروعهم الديمقراطي، وتصوّرهم لمستقبل كل بلد عربي على حدة، ومستقبل البلدان العربية ككل".

في هذا السياق، يشير صاحب "في الثورة والقابلية للثورة" إلى أننا في عالمنا العربي نفتقر إلى مشروع سياسي وطني؛ "لأنّ الأنظمة نفسها لم تكُن موجودة في السلطة بصورة شرعية، ما يؤدّي إلى تخوّفها الدائم من أي تحوّل ديمقراطي مهما كان شكله، والثورة واحدة من هذه الأشكال، لذلك تعمل الأنظمة على تكريس ما لديها من قوى عسكرية وطائفية، لإيقاف هذا التحوُّل الذي يعمل على زعزعتها".

هنا، يوضّح بشارة أن هذا العنف الذي تمارسه تلك الأنظمة، في حالتنا، لم يولّد سوى عنف مضادّ لما تعرّضت له الحركات المدنية من قمع على طوال عقود، من خلال استخدام الجيش "الذي يقدّم نفسه على أنّه بانٍ للجمهورية، فارضاً سلطته الأبوية على الأحزاب". ويتابع: "لكن في حالة النظام الديمقراطي الذي يُقيم مؤسّساته على مبدأ المواطنة، ستظلّ هناك حاجة لدى كل فرد في الانتماء الوجداني والعاطفي إلى أمّته من خلال القومية، إلّا أن الحاصل لدينا، هو انقسام على أساس طائفي".

حول هذا الانقسام، يقول: "في حالة العراق مثلاً، نقول أكراد وسنّة وشيعة، لا نقول أكراد وعرب، رغم أنّ هناك مذاهب بين الأكراد، لكنهم يصرّون على هويتهم القومية، وهكذا كان لهم كيانهم الخاص في العراق. لكننا، نحن العرب، انقسمنا إلى طوائف، هي طوائف سياسية حقيقةً، وليست دينية".


اقرأ أيضاً: عزمي بشارة.. الرحلة الأصعب إلى الأمل

ذات صلة

الصورة
عزمي بشارة (العربي الجديد)

سياسة

قال المفكر العربي عزمي بشارة إن جهات عديدة في أوروبا والولايات المتحدة تعمل منذ عقود بشكل منظم على تحويل التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى حالة دفاع عن النفس
الصورة
انطلاق أعمال المنتدى السنوي لفلسطين - حسين بيضون

سياسة

انطلقت في الدوحة، صباح اليوم السبت، أعمال المنتدى السنوي لفلسطين في دورته الثانية، الذي يُنظّمه "المركز العربي للأبحاث" ومؤسسة الدراسات الفلسطينية.
الصورة
عزمي بشارة 2 - القسم الثقافي

ثقافة

ناقشت الندوة، التي أقامها "مركز مدى الكرمل"، في مقرّه بحيفا يوم الخميس الماضي، كتاب المفكّر العربي عزمي بشارة، "فلسطين: مسائل في الحقيقة والعدل"، الصادر بالإنكليزية العام الماضي، بمشاركة كلّ من الأكاديميّين مهنّد مصطفى ونديم روحانا وليلى فرسخ.
الصورة
تخريج الفوج السابع من طلاب معهد الدوحة للدراسات العليا 1 (حسين بيضون)

مجتمع

احتفل معهد الدوحة للدراسات العليا بتخريج الفوج السابع من طلاب الماجستير البالغ عددهم 186 طالباً وطالبة؛ 121 في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية و65 في كلية الاقتصاد والإدارة والسياسات العامة.
المساهمون