شهريار أحمدي.. اللوحة كنصّ سردي

03 نوفمبر 2014
"أمر المجنون"، أكريليك على قماش (2008)
+ الخط -

السرديّة القصصيّة الحاضرة في أعمال الفنان الإيراني شهريار أحمدي (1979)، الذي تُعرض أعماله حالياً في غاليري Across Borders السويسري، تعيد النظر في علاقة اللوحة المعاصرة مع الموروث الأدبي والديني. كأنّنا أمام كتاب مصوَّر مفتوح يحكي تاريخ المكان.

المعرض، المستمر حتى 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، استعادةٌ لأهمّ أعمال أحمدي المُنجزة بين عامي 2008 و2012، وتضم سلسلتي "أساليب قديمة في ممارسة الحب" و"الرومي في كأسي المقدّس". تشكّل أشعار جلال الدين الرومي الصوفية مصدر إلهام أساسي لأحمدي، إذ يجعل من منجزه الإبداعي وسيطاً ينقل تصوراته المعاصرة التي تتكئ على التراث الأدبي الإيراني.

وتظهر تأثيرات المتصوفة على أعمال الفنان في سلاسل قديمة مثل "سما" و"حكايا الببغاء والتاجر". كما يتجلّى الموروث الديني في لوحتي "الوصايا العشر" و"معراج". سلسلتان تمثّلان تصوراتٍ متنوعة لفكرةٍ واحدة، وبنيتهما ما هي إلاّ محاكاة لبناء المنمنمات القديمة، إنّما بقالبٍ معاصرٍ.

منحدراً من عائلة فنيّة، بدأ أحمدي طريقه الفني مع الخطّ الفارسي. وبدلاً من الانغماس في الحروفيّات التقليديّة، ألّف من الخطّ تكويناتٍ تشخيصية تقترب من فن البورتريه، ليكتشف، بعد تمكنّه من أدوات اللوحة، انسجامه مع الرسم أكثر من أي وسيط آخر، ولكن من دون أن يهجر فنّ الخط كلياً.

تبدأ العلاقة مع اللوحة عند أحمدي باليدين، إذ يستخدمهما ليوزّع الألوان على القماش. اليد هي أداة الفنّان المفضّلة، تعمّق العلاقة الحسيّة مع فعل الإبداع وتستجيب له مباشرة. يستخدم الفنان ألوان الأكريليك بشكل أساسيّ، ويجعلها تتفاعل بحرية على سطح اللوحة مع إتقان تقني عال.

ورغم الهيمنة الواضحة للون الأصفر الترابي وكذلك الأبيض على خلفيات الأعمال، إلّا أننا لا نجد لوناً مفضّلاً لدى الفنان. كأنّ ما يجذبه حقاً هو النتيجة اللونية التي يحققها. ينهي أحمدي العمل بإدخال عبارات خطيّة مأخوذة من نصوص قديمة، على سطح اللوحة. عبارات لا تشكّل إضافات تزينية، وإنما عناصر مكمّلة لنسيج العمل.

تنتمي تجربة الفنّان إلى التعبيرية التجريدية بشكل عام. وأحياناً، يذهب أحمدي باللوحة في اتجاه التجريد البحت، مستمتعاً باكتشاف التكوينات الجديدة التي تخلقها الألوان والخطوط المتشابكة.

يظهر ذلك في عمل "درع الرعب" الذي تتراكب فيه مجموعات من الألوان، الأسود بشكل أساسي، لتخلق أمواجاً متتالية وغير منتظمة. وأحياناً يميل إلى التشخيص فتظهر العناصر الإنسانية أو الحيوانية، كما في "أساليب قديمة في ممارسة الحب" و"الأسد والسيّد".

في محترفه في طهران، يرسم شهريار أحمدي تاريخ المكان، معتمداً على التراث كمرجعية للعمل، ومستنداً إلى مهارة وتقنية عالية، تترجمان الحكاية إلى لوحة. ربما لو لم يكن أحمدي رسّاماً لأصبح راوياً بارعاً.

المساهمون