يوم للقراءة في الأردن: إعلان رسمي بلا مقومات

28 سبتمبر 2022
(كشك لبيع الكتب في وسط العاصمة الأردنية، Getty)
+ الخط -

في إعلان لا يتضمّن أية مشاريع لتوفير بنى تحتية من مكتبات عامة أو دعم لصناعة الكتاب أو برامج للتشجيع على القراءة، وافق رئيس مجلس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، أول أمس الإثنين، على تحديد التاسع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام يوماً وطنياً للقراءة.

مقدّمة الكتاب الرسميْ تستند إلى "ما تمثّله القراءة من رفع لمستوى الوعي وإغناء المعارف"، كما تشير إلى هدف محدد يتجسّد في "تشجيع الجميع على القراءة وتعزيزها في المجتمع وجعلها عادة يومية"، وهي عبارات تبدو منفصلة تماماً عن الواقع، حيث لم تتضمّن بيانات الحكومات المتعاقبة على مدار أكثر من مئة عام كلمة واحدة ذات صلة بالثقافة؛ مسرحاً وسينما وموسيقى وصناعة كتاب وترجمة، وفي القلب منها القراءة بطبيعة الحال.

يوجّه رئيس الحكومة إعلانه إلى عدد من المؤسسات، وفي مقدّمتها وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، دون أن يسأل بداية عن حال المكتبات في المدارس الحكومية، سواء في ما يتعلّق بمحتواها الفقير نظراً لعزوف الوزارة عن شراء عناوين جديدة في مختلف التخصّصات رغم وجود مخصّصات مالية من الناحية الشكلية، أو في انفصال المكتبة عن المنظومة التعليمية، حيث يمكن القول إن المعرفة خارج المنهاج الدراسي غائبة بالمطلق عنها.

لم تتضمّن بيانات الحكومات المتعاقبة على مدار أكثر من مئة عام كلمة واحدة ذات صلة بالثقافة وفي قلبها القراءة

ويستطيع الرئيس العودة إلى تقارير منشورة في وسائل إعلام محلية على مدار العقود الماضية، حول إغلاق المكتبات في العديد من المدارس أو خلوّها من الطلبة، في ظلّ عملية تعليمية تقليدية قائمة على الحفظ والتلقين ضمن خمس أو ستّ ساعات يومياً، في إقصاء لثقافة السؤال والتفكير النقدي لدى الطلبة الذين يتخرّجون من المرحلة الثانوية ولم يتعلموا مهارات البحث العلمي التي تستفيد أساساً من القراءة بوصفها عملية استكشاف تقوم على الاستنتاج والاستدلال.

أما وزارة التعليم العالي المسؤولة عن الجامعات الأردنية، فواقع المكتبات فيها ليس أفضل حالاً وإن امتلك بعضُها محتوى معرفي ضخم ونوعي وأنظمة فهرسة وحفظ متطوّرة، إذ أنها لا تستقبل غير الطلبة من أبناء المجتمع الراغبين في المطالعة، وتقفل أبوابها عند السادسة مساء بدلاً من فتحها بعد نهاية الدوام لاستيعاب أعداد أكبر من الزوّار، كما تفتقد المكتبات الجامعية لأنشطة تعتمد على مصادرها المكتوبة والمسموعة والمرئية موجّهة لطلبتها والجمهور العام ما عدا استثناءات قليلة في جامعة أو اثنتين.

يوّجه رئيس الوزراء إعلانه إلى وزير الشباب أيضاً، الذي يتولى وزارة لا تتضمّن استراتيجياتها أيّ حديث عن المعرفة والثقافة، إنما تتصدّر أولوياتها الرياضة وتعزيز الانتماء إلى الوطن والأمة والمبادرات التطوعية، بل إنه تغيب وزارة الثقافة عن أسماء الشركاء الحكوميين لوزارة الشباب على موقعها الإلكتروني بينما تتضمّن مؤسسات الجيش والأمن والدرك والإفتاء وغيرها!

يتخرّج الطلبة من المرحلة الثانوية ولم يتعلموا مهارات البحث العلمي التي تستفيد أساساً من القراءة

ويخاطب كذلك وزيرَ الثقافة المسؤول عن وزارة لا تصل ميزانيتها السنوية إلى عشرة ملايين دينار يذهب منها مليونان ونصف فقط للإنفاق على الأنشطة الثقافية، بينما تخصص البقية للرواتب والنفقات الأخرى، ما يجعلها وزارة هامشية لا ترتبط خططها بأية استراتيجيات تنموية، ولطالما أشار "المجلس الاقتصادي الاجتماعي"، في تقرير حالة البلاد الذي يصدره سنوياً، إلى أنه "لا يمكن إحراز نجاح اقتصادي اجتماعي، أو تحقيق التقدّم، من دون تنمية الثقافة ورفدها بخطط علمية مدروسة".

وللحديث عن تنمية ثقافية نعود إلى أصل المشكلة في كون الأردن، مثل العديد من الدول العربية، وطّن الحداثة على نحو مشوّه وزائف، حيث تنحسر كنمط استهلاكي للسلَع والخدمات لا صلة لها بالثقافة والفنون وفن العيش، كما أن التراث أيضاً استمرّ ولكنْ مشوّهاً ومتلاعَباً بعناصره وطُرق توظيفه السياسي في كرنفالات وفعاليات رثّة، بعيداً عن المؤسّسية والعمل الاحترافي الذي يضع الموروث غير المادّي على طاولة الدرس والبحث والتنقيب المعرفي. وهنا يحضر سؤال عن معنى القراءة وجدواها بمعزل عن زاوية النظر للماضي والحاضر.

لن تصبح القراءة تصبح عادة يومية من دون دعم رسمي حقيقي يجعلها جزءاً عضوياً من التنمية

وسيتلقّى كتابَ رئيس الوزراء أمينُ عمّان الذي يدير مؤسسة تتولى التخطيط العمراني للعاصمة الأردنية التي ينوف سكّانها اليوم عن أربعة ملايين ونصف نسمة دون أن يترافق ذلك تطوير البنى التحتية والخدمات الأساسيّة وشبكات المواصلات وتوفير المساحات العامة والمراكز الاجتماعية والثقافية والمنشآت الرياضية والترفيهية، ما يعني أن وصول أيّ عمّاني للمكتبة أمر مكلف مادياً وشاقً بالنظر إلى واقع المواصلات، ويضاف إلى ذلك ضعف المحتوى من الكتب الحديثة والمتنوعة الذي توفّره مكتبات أمانة عمّان الستين.

آخر الذين توجّه إليهم الخصاونة كانت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الحميد شومان، التي تدير واحدة من المؤسسات القليلة التي أسّسها القطاع الخاص ممثلاً بـ"البنك العربي" عام 1978، وحافظت على زخم أنشطتها وحضورها الثقافي إلى اليوم، ومنه مكتبةً تعدّ من أبرز المكتبات العامة في الأردن من ناحية تحديث محتواها وتجديد خدماتها وأنظمتها، وإن كان مأمولاً منها الامتداد والانتشار إلى بقية المدن الأردنية عبر تأسيس مكتبات عامة تليق بها في ظلّ غياب الرؤى الرسمية في هذا الاتجاه.

مفارقة كبرى أن يدعو رئيس الحكومة الذي لم يفكّر لا هو، ولا أسلافه، في افتتاح أي من دورات "معرض عمّان الدولي للكتاب" الواحدة والعشرين الماضية، ولا غيرها من التظاهرات ذات الصلة بالكتاب والثقافة، بينما نجده في حفلات تدشين مصانع صغيرة لإنتاج الألبان والمواد الغذائية، ووزراء آخرين في الحكومة في افتتاح مطاعم خاصة! - مقارقة كبرى أن يدعو إلى يوم وطني للقراءة التي لا تزال تنظر إليها سلطة في القرن الحادي والعشرين أنها قد تصبح عادة يومية من دون دعم مادي ومعنوي حقيقي يجعلها جزءاً عضوياً من التنمية.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون