وُجدة.. ملتقى الثقافات واللغات والقضايا

02 مايو 2024
من ندوات "المعرض المغاربي للكتاب" في دورته الرابعة
+ الخط -
اظهر الملخص
- وجدة، المدينة المغربية، تستضيف "المعرض المغاربي للكتاب" بنسخته الثنائية اللغة، معززة مكانتها كمركز ثقافي بفضل هذا الحدث الذي يجذب الباحثين والقراء، ويهدف إلى إشباع فضولهم الثقافي.
- في دورته الرابعة، المعرض يبرز التعدد الثقافي بمحتوى باللغات العربية، الأمازيغية، والفرنسية، ويستضيف ندوات وورش عمل تحت شعار "الكتابة والزمن"، مستكشفًا الروابط بين الكلمات والأزمنة.
- المعرض يقدم فعاليات تكريمية، ورشات إبداعية للأطفال واليافعين، ولقاءات بين الأدباء والسجناء، معززًا الثقافة والتعددية اللغوية، وموسعًا آفاق وجدة الثقافية على الساحة الدولية.

اختارت مدينة وجدة الواقعة في أقصى شرق المغرب، على حدود الجزائر، والتي أسّسها زيزي بن عطية سنة 994م، أن يكون لساكنتها معرض للكتاب مزدوج اللسان، عربي/ فرنسي، أُطلق عليه اسم "المعرض المغاربي للكتاب"، حتى تُشبع فضول وتطلّعات الباحثين والقرّاء من ساكنتها التي يبلغ تعدادُها ما يزيد قليلاً عن أربعمئة ألف وسبعمئة وثمانية وثلاثين نسمة... وبذلك تكون ولايةُ المدينة قد أضافت بُعداً ثقافياً زاخراً إلى البعد الاقتصادي والسياحي.

من خلال الدورة الرابعة من المعرض، التي عُقدت في نيسان/ أبريل الماضي، بعد غياب فرضته جائحة كورونا والزلزال الذي ضرب بعض المناطق في المغرب، تبيَّن أنّ هذه التظاهرة الثقافية قد رسمت لنفسها خطّاً واضحاً، واستراتيجية تراهن على إبراز التعدّد الثقافي العربي بالمغرب، من خلال نشر الكتاب واللغات التي يُنتج بها المغرب العربي مواده الثقافية، وهي العربية والأمازيغية والفرنسية.

وبما أن لهذه اللغات روافد، فقد سهر القيّمون على المعرض، محمد المباركي رئيس المعرض والمدير العامّ لـ"وكالة تنمية الشرق"، الشاعر جلال الحكماوي في القسم العربي، والكاتب جليل بناني في القسم الفرنسي، وكلّ من يرافقهما في إدارة المعرض من طاقم تنظيمي واستشاري، عن طريق وكالة جهة الشرق، ووزارة الثقافة، وولاية ومجلس الجهة، وجامعة محمد الأول بوجدة.

ولأنّ العنوان الفرعي لهذه التظاهرة الثقافية الكبيرة هو "آداب مغاربية"، فقد اختارت الدورة شعار "الكتابة والزمن"، وقد دُعي لذلك كتّاب وشعراء وباحثون ومفكّرون لاستكشاف الروابط بين الكلمات والأزمنة. وقد نُظّمت في ذلك ندوة "الرواية والتاريخ"، وشارك فيها الحبيب السالمي من تونس/ فرنسا، ودنى غالي من العراق/ الدنمارك، وكاتب هذه الأسطر. هذا إضافة إلى ندوات أُخرى مثل: "زمن السلام"، و"الجاليات والهجرة"، و"العالم والرقمنة"، والتي شارك فيها: جان لاساغ، وكلاريس هيرسشميدت، وأندرياس بلايفر، وأيضاً "نقد المعرفة"، و"الشعر في زمن الأزمات" بمشاركة يحيى عمارة، وسامح درويش، وجمال أزغاريد ومحمود عبد الغني، و"الآداب الأفريقية" وكان من ضيوفها  يامبو أولوغام، وفوزية الشرفي، ومحمد الطوزي،  وشكيب جسوس، ومونيرو ديالو، ونيمرود، وسامي مانغا، وإيريك جويل بيكالي.

ومن ندوات المعرض أيضاً: "القصة في العالم العربي" وكان من ضيوفها القاص المغربي  أحمد بوزفور، ومصطفى جباري، ومحمد العتروس، وهشام البستاني، و"الرواية العربية بين اللغة والمجتمع"، و"سفر في الترجمة" وساهم فيها: دينا فتحي مندور، ومحمد العرجوني، وغدير أبو سنينة وسعيد الحنصالي.

نُظّمت أيضاً ورشات عمل إبداعية، في الفنون التشكيلية والفوتوغرافيا على الخصوص، لتنشيط خيال الأطفال واليافعين. ويظهر ذلك في تكريم الدورة الرابعة للفنون التشكيلية من خلال إقامة معرض حول "الكتابة البصرية والزمن"، الذي كان هدفه تسليط الضوء على المواهب الفنية في المغرب الكبير وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وقد قدّم المعرض لجمهور المعرض أعمالاً برزت فيها الروح الإبداعية الأفريقية، وعمل البحث المستمرّ عن الحقيقة الإنسانية التي تنشد وترسم جغرافيا الحرية والسلام. ولم يغب عن هذا المشروع فكرة المغرب الكبير باعتباره ملتقى للشعوب والتقاليد.
كلّ هذه الأنشطة ذات البعد العربي والأمازيغي والأفريقي والدولي، جعلت من مدينة وجدة تنأى عن موقعها الحدودي القصيّ، وتنخرط في روح الثقافات واللغات والكلمات والأصوات والأفكار والأزمنة.

كما أن الكتابة لم تغيّب فكرة النشر الذي هو عملية أساسية منخرطة في الكتابة والزمن. إذ ليس الكاتب فقط هو المعني بمقولة الزمن، بل الناشر أيضاً منخرط معه بكل ما أوتي من قوة. أما القارئ الذي يعمل من أجله الكاتب والناشر، فإن تلك الساحة الكبرى التي أنشئ عليها المعرض، والمسرح الكبير البهي الذي ضمّ أشغال الندوات والتكريمات والورشات الإبداعية فقد ظلّ مفتوحاً في وجه الزوار.

ولم تنسَ وجدة سجناءها، إذ نظّمت لقاءات بين الأدباء والسجناء في المؤسسات السجنية، شارك فيها عبد القادر الشاوي ومحمد أقضاض وجمال أزراغيد وإسماعيل علالي.

كما نُظّمت لقاءات بين الأدباء والتلاميذ من خلال زيارة لعدد من المبدعين لهذه المؤسسات التي تضم شباباً يطمحون إلى أن يصبحوا أدباء، فقد زارت الكاتبة العُمانية هدى حمد وكاتب هذه السطور، وندى الحجاري وعبد الإله مهدار "الثانوية التأهيلية عمر بن عبد العزيز".

ولأن الزمن هو الكلمة والموضوعة الكبرى في فعاليات المعرض، فقد خُصّصت فقرة تكريمية للأديبة المغربية آمنة اللوه. وهي أديبة من الجيل الأول الذي أسّس للرواية والقصة في المغرب، كما أنها أول كاتبة تتحصّل على جائزة المغرب للكتاب عن روايتها "الملكة خناثة" (1954).

وفي مجال النشر تمّ تكريم الناشر عبد القادر الرتناني (1945 - 2023) وهو ناشر ظلّ يحمل خبرة كبيرة في مجال النشر والكتاب، من خلال إدارته لدار النشر "ملتقى الطرق" (بالفرنسية) التي نشرت أكثر من 2200 كتاب باللغتين الفرنسية والعربية.

وفي آخر أيام المعرض عقدت إدارة المعرض ندوة صحافية قدّمت فيها الحصيلة العامّة للدورة الرابعة، والتي اعتبرتها مُرضية وقابلة للتطوير، بالنظر إلى الطموح الذي يحمله المنظمون، وكانت الحصيلة كالآتي: خمسون ألف زائر، منهم ستة آلاف طفل. كما تدخّل في الندوات والتكريمات والتوقيعات واحد وسبعون متدخلاً. وهذه حصيلة واقعية جيدة مفتوحة على آفاق أرحب.

  
* شاعر وروائي ومترجم من المغرب

المساهمون