هموم شعرية: مع عيسى حسن الياسري

14 اغسطس 2024
عيسى حسن الياسري
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعر العراقي يعبر عن قلقه تجاه العدوان على غزة، منتقدًا صمت بعض الحكومات العربية، ويأمل في استمرار المقاومة البطولية وتحقيق النصر.
- يعتبر الشاعر أن قراءه هم المؤمنون بالحرية والإنسانية، ويعبر عن خيبة أمله من تراجع عدد قراء الشعر بسبب ضعف المحتوى وابتعاده عن قضايا الناس.
- يتحدث عن تجربته مع دور النشر، مشيرًا إلى الدعم الذي تلقاه، ويعبر عن أسفه لتراجع جودة النشر، ويأمل في استعادة الشعر العربي لقوته من خلال البساطة والصدق.

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "يُضَيِّعُ الشاعرُ طَريقَ العودةِ إلى منزلِ الشعر عندما يتخيّلُ نفسهُ أنّهُ كبرَ"، يقول الشاعر العراقي لـ "العربي الجديد".


ما الهاجس الذي يشغلكَ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- وهل هناك من هاجسٍ مُعَذِّبٍ كما هو الحال عَمّا يحدثُ في غَزّة الباسلة؛ من إبادةٍ جماعيّةٍ لم تشهد لها مثيلًا أكثر الحروب وحشية، أشلاءُ الأطفال والنساء والشيوخ تتناثر فوق الأنقاض وتحت الأنقاض، العُمران يُسَوّى بالأرض، الأشجار والحقول وحتى المقابر تُجرّف وتُحرق، والأكثرُ فجيعةً من هذا أن يقف حُكّام العرب والمسلمين متفرّجين، بل وداعمين لا سيما من طبّعوا مع المحتل، أمّا  الشعوب العربيّة فهي إمّا  غائبة أو مغيّبة، وحتّى ما يُكتب عن هذه المأساة الإنسانيّة تدير له دور النشر العربية ظهورها، ما يُعزّينا أنَّ مقاومي غَزّة الذين كسروا كبرياء أكثر الجيوش المُحتلّة قوة وبطشًا، ما زالوا ومنذ عشرةِ شهور حتى الآن يواصلون صنع ملحمتهم البطوليّة، وها هو العالم يستيقظ وكلّه يهتف بالحريّة لفلسطين، وليسَ بعيداً أبداً أنْ تُشرق الشمسُ وأنّ الثوّار سينتصرون. هذا هو الدرس الذي تعلمناه من الشعوب التي ناضلت طويلاً من أجل تحرير أوطانها وتُوّج نِضاُلها بالنصر.
 

من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

- قُرّائي جَميع الذين آمنوا بالحرية، وآمنوا بالإنسان السيّد والحُر، ومن حلموا بعالمٍ تَجلس فيه العائلة الإنسانيَة  أدياناً ومذاهبَ  وأعراقًا حولَ طبقٍ واحد، حيثُ يتقاسمون  رغيف الخُبز، وقدح الماء، قُرّائي مَنْ آمنوا بالمحبّةِ دينًا وبالسلامِ رسالة، وقُرّائي همُ  المُهَمَّشون والمَنسيون، وكلُ الناسِ البسطاء، ومنْ أغفتْ في أحضانِ أرواحهم أكثر منْ  سكينٍ، وقُرّائي هم مَنْ يُقدِّمون للحياةِ أغنيةً عذبةً، وقصيدةَ شعرٍ صافيةً كما ينبوعٍ صاف، إن وجد هؤلاء فأنا لي قُرّاء كُثر، وإن لم يوجدوا فلا أحد يقرؤني؛ لأنّني لا أكتبُ شيئًا خارج عالمي هذا.  


كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

- عندما بدأتُ النشرَ كانتْ "دار الشؤون الثقافيّة في بغداد"، هي الدار التي تبنّت إصدار مجموعاتي الست التي صدرت في العراق ما بين 1973 – 1996، كان يقفُ على رأس هذه الدار مبدعون وخبراءُ من كبارِ نقادنا وشعرائنا ومفكرينا، رحم الله من رحلوا منهم، وأمد الله في أعمار من تبقوا أحياءً حيث ضاق عليهم حضنُ الوطن، وفتحت لهم المنافي الغريبة أبوابها. بعد مغادرتي العراق احْتَضَنتْ أكثرُ من دار نشر، طبع مجموعاتي الشعريّة، وأهم هذهِ الدور "المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر" في بيروت، والتي طبعت أعمالي الشعريّة في ثلاثة مجلدات، والعديد من الكتب النقديّة التي وضعت عن تجربتي. كما تبنّت دور نشرٍ عالميّة طبع مجموعاتي الشعريّة التي تُرجمت إلى لغاتها.

عندما نكتبُ الشِّعر نتركُ المخيّلة والحَدس وحدهما يشتغلان


كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- هناك مواقع جادة يُشرف عليها مبدعون كبار مثل موقع "مجلة الكلمة"، و"الحوار المتمدن"، و"الناقد العراقي" الذي أُغلق بعد رحيل مؤسِّسِهِ الناقد "د. حسين سرمك حسن" وموقع "جهة الشعر" الذي توقف أيضاً وغيرها، وهناك مجلّات مهمة تحولت من ورقية إلى إلكترونيّة بسبب نقص الموارد، لكنّ الأعم الأغلب مِمّا يُنشر في بعض المجلات الإلكترونيّة والمواقع تغلب عليه الفوضى؛ بسبب سهولة نشر ما يُرسل إلى تلك المواقع التي لا تلتزم بالمعايير الإبداعية، وتسودها مجاملات من ينشرون عليها لبعضهم البعض. إنّ الكثير مِمّا يُنشر الآن بعيد عن النضج الفني والابداعي.


هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممّن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- لم أنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، فأنا ليس لي حسابٌ على أيٍّ من هذه الوسائل، حتى صفحتي على "الفيسبوك"، أغلقتها منذ سنين. في أوقاتٍ متباعدةٍ جِدًّا كنتُ أنشر في بعض المواقع، الآن ما عادت متاعب الشيخوخة وظروفي الصحية تسمح لي بذلك، شيء جَيّد أن يَنشر المبدع في مواقع رصينة حتى لا يُنسى. حَقًّا أقول إنَّني فوجئتُ عندما وصلت إلي رسالتكم، اعتقدتُ أنَّ الجيل الشاب ما عاد يتذكرني.


من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- بكلِّ أسفٍ أقولُ إنَّ قُرّاء الشِّعر قد انحسر عددهم بسبب ضعف معظم ما يُنشر، وابتعاده عن هموم الناس، إضافةً إلى المتاعب الحياتيّة اليوميّة بالغة الصعوبة التي أبعدت الإنسان عن القِراءة والمُتابعة، ما أراهُ الآن هو أنَّ ليس هناك مِن رقابةٍ فَنيّة على النشر، ولا توجد مواصفات إبداعيّة يُشترط توفرها فيمن يتقدّم للانتماء لاتّحادات الأدباء، والكثير مِمّن ينتمون الآن لهذه الاتحادات ليسوا جديرين بهذا، وإنّما يُقبَلون فيها لأغراض ليست ثقافية.

ما يُعزّينا أنَّ مقاومي غزّة يواصلون صنع ملحمتهم البطوليّة


هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

- ليسَ كلّ ما يترجمُ الآنَ هو شِعرٌ جيد، كما أنَّ الشِّعر العالميّ الجديد ابتعد عن معالجة هموم الإنسان ومتاعبه، ولم يَعُد يَتناول موضوعات كبرى كما كان عليه في القرون الوسطى وحتى منتصف القرن العشرين، حيث برز شعراء أسَّسوا لمدارسَ شعريةٍ مُهمة، وتَعَهّد ترجمتهم مترجمون عرب ومستعربون مُختَصون بترجمة الشعر، ونحن اليوم عندما نريد أن نقرأ شِعرًا مُؤَثِّرًا نعود إلى شعرائنا في جميع عصور الشعر العربيّ وحتى شعراء الريادة ومن جاء بعدهم. قُرّاء الشعر ينحسرون حتى في العالم وليس في الوطن العربيّ فحسب، وهذا الانحسارُ يُشكّل أزمةً روحيّةً تُجرّد الإنسانَ من إنسانيّته، الشّعرُ هو روح الإنسان والمُعبّر عن قضاياه المصيريّة.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟

- لا أحدَ بمقدورهِ أنْ يضع قوانينَ أو توصيفًا للشعر، نستطيعُ أنْ نُمارس هذا مع  أيّ جنس إبداعيّ إلّا الشعر، الشعرُ عالم خاص يؤسِّسُ مشروعه فنًا وموضوعًا وفقَ حضورِ الموهبة ونُضج التجربة الحياتيّة التي تتجاوز  الخاص إلى العام، ويحتاج إلى الثقافة الموسوعية وأن نبدأ من الأرض التي نقف عليها وصولًا لجميع ثقافات العالم، وعندما نكتبُ الشعر نتركُ المخيّلة والحَدس وحدهما يشتغلان، بَعيدًا عن أيّةِ قَصديّة في كتابة النّص الشعريّ لأنّها لا تَنتجُ شِعرًا، وأعتقدُ أنَّ هذهِ هي نقطة الضعف التي يُعاني منها  شعرنا العربيّ اليوم.


■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟

- في مقطعٍ من قصيدة "عندما أكتبُ عنكِ"، وهي من قصائد المجلّد الثالث من أعمالي الشعريةِ أقول فيه:
"الكتابةُ عنكِ 
يا لها منْ عملٍ شاقٍ
يحتاجُ مني:
أنْ أستنجدَ بحارثي الحقولْ 
بالغدرانِ التي دخلتْ مخدعَ الجفافِ 
وأغلقتِ البابْ ..
وأحتاجُ أيضًا ..
أنْ أوقظَ الشعراءَ الذينَ سبقوني إلى الموتْ
ليقدموا لي نجدتهمْ..." 


ما الذي تتمناه للشعر العربي؟

- أنْ يستعيدَ الشاعر طفولتهُ حتى يُمارسَ كتابةَ الشِّعرْ بالطريقةِ التي يُمارِسُ فيها الطّفلُ ألعابهُ، ونوباتِ ضحكهِ وبكائهِ دونَ أنْ يُبالي بأحدْ، لأنَّ الشاعرَ عندما يتخيّلُ نفسهُ أنّهُ كبرَ وشبَّ عن الطوق، يُضَيِّعُ طَريقَ العودةِ إلى منزلِ الشعر.


بطاقة

شاعر عراقي من مواليد عام 1942 في إحدى قُرى محافظة ميسان (جنوبيّ العراق)، تخرّج من دار المعلّمين في مدينة العِمارة (مركز المحافظة). انتقل إلى بغداد عام 1972، واشتغل في التعليم والإذاعة والصحافة الأدبيّة. غادر العراق عام 1998 ووصل إلى كندا عام 2001، وما زال يُقيم فيها. من دواوينه الشعريّة: "العبور إلى مدن الفرح" (1973)، "فصول في رحلة طائر الجنوب" (1976)، "سماء جنوبيّة" (1979)، "المرأة مملكتي" (1982)، "شتاء المراعي" (1992). له رواية واحدة، هي "أيام قرية المُحسنة" (2011). صدرت أعماله الشعرية في ثلاثة مجلدات، ووضع عن تجربته أكثر من كتاب نقدي، كذلك صدرت له أعمال شعرية مترجمة في لغات عالمية. 
 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون