هزائم الانتظار

18 أكتوبر 2024
خالد حافظ/ مصر
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُعتبر الانتظار قيمة أساسية في حياة الأفراد، حيث يضفي معنى وهدفًا للحياة من خلال ترقب الأحداث المهمة، ويُعزز التشويق في الفنون مثل الروايات والأفلام.
- على الصعيد القومي، يُمثل الانتظار قيمة معنوية في العالم العربي، حيث انتظرت الشعوب تحقيق أحلامها في الحرية والتقدم، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال مع تراجع المنطقة.
- الثورات العربية في العقد الثاني من القرن الحالي كانت لحظة أمل، لكنها فشلت بسبب التحركات المضادة والعنف، مما أدى إلى إحباط واسع ورغبة في الهجرة.

على الصعيد الفردي، سوف يبقى الانتظار القيمة الحاضرة في الحياة اليومية لكلّ واحد من بيننا، لا يمكن العيش، أو الاستمرار في العيش، إذا ما فقد المرء هذا السلوك من حياته. ومن المستبعد أن يزول الانتظار من قائمة القيم الفردية التي تمنح الحياة الشخصية لكلٍّ منّا معنى ما يتّجه إليه في عمله ونشاطاته بالمُجمل. يُمكنه أن ينتظر ولادة ابن أو ابنة، ينتظر حبيبة، وسبق لمحمود درويش أن قدّم وصية طيّبة بهذا الشأن، وهي تخصّ العشّاق والمُحبّين، في قصيدته الجميلة "درس من كاماسوطرا"، وفيها كلّ جماليات الانتظار الذي يُختتم باللذة.

كما يُمكن لأي منّا أن ينتظر نهاية لعبة، أو نهاية حكاية، أو نهاية رواية، أو نهاية أزمة في الحياة. وأهمّ روابط الانتظار هو التشويق، وفي الرواية أو الفيلم يعمل الفنّان على إدارة عناصر التشويق التي تجعل القارئ أو المتفرّج يواصل متابعة النصّ أو الشريط السينمائي إلى النهاية. يغدو الانتظار ممتعاً هنا. 

وعلى الصعيد القومي، كان الانتظار قيمة معنوية بارزة في الوقت العربي، فمنذ أن استقلّت الدول العربية ونحن ننتظر أن نصل إلى أحلامنا، الحرّية، والتقدّم، والمصانع، والمدارس، والحياة الطيبة. ولكن أكثر قيمة مخيّبة للعرب في حياتهم الحاضرة هي الانتظار.

إحباط متواصل لانتظار الآمال حتى غابت الثورات وبقي الطغاة

ويُمكن تلخيص تلك الحياة باللّاجدوى، بالخسارة، بعدم تحقّق أي أُمنية أو مطلب من مطالبه الوطنية أو القومية. بل يمكن القول إنّ اتجاه البوصلة، أو اتجاه السهم في حركة التطوّر العربي، وتحقّق المطالب كان نحو الخلف، أو نحو الانكسار، الذي عبّرت عنه الرواية العربية في أكثر من عمل، وأكثر من بلد، سبق لمحمد كامل الخطيب أن تتبّع مساراتها في كتابه "انكسار الأحلام". والطريف هو أنّ الفكر العربي كلّه تقريباً بنى معظم مقولاته على فكرة انتظار التغيير القادم، ولهذا فقد يبدو الانكسار، وهي كلمة تُلطّف الهزيمة، فاجعاً، حيث لا تتوفّر أي مشوّقات.

اللافت أنّ الثورات العربية التي هبّت في بداية العقد الثاني من قرننا، بدت لكثير من العرب خاتمة سعيدة لسنوات الانتظار، لحظة يقظة نوعية كبرى في المسار العربي الذي وُصف بالجمود، بل يُمكن القول إنّها كانت لحظة مباغتة للعربي الثائر نفسه، بعد أن مرّت عقود في القرن الماضي من تعاقب الاستبداد الذي أوقف مسار الحياة عند لحظة الطاغية الذي استثمر كلّ الطاقات لخدمة بقائه في السلطة. غير أنّها لم تُسفر عن شيء. لقد فشلت جميعها، وأُبيد الانتظار نفسه، تحت وابل من التحرّكات المضادّة والقصف الكلامي، والنشاط المضادّ المسلّح الذي تولّت أمره جماعات متطرّفة، والهجمات العسكرية للأنظمة، التي ساعدها فيها، ويا للعجب، مثقّفون عرب، وشعراء عرب، وروائيون عرب، قدّموا أمثولات في ردم، وتطويق، تلك اللحظات المضيئة التي اعتقد العربي، والعالم ربما، أنّ ساعة الوصول قد أزفت.

فشلت الثورات العربية جميعها، وفي حين اعتقد الجميع أنّهم يُمكن أن ينتظروا ثورات أُخرى، ثمّة الملايين من العرب باتوا مستعدّين لترك بلادهم والهجرة إلى أي مكان آخر في الأرض، بعيداً عن هذا الإحباط المتواصل لانتظار الآمال، غاب اسم الثورات، وبقي الطغاة.

في القصيدة الشهيرة لكفافي "في انتظار البرابرة"، كان هؤلاء تهديداً، نوعاً من الحلّ للملك الطاغية، أمّا اليوم فلم نعد ننتظرهم، فقد باتوا على الأبواب.

* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون