ميكولايف الأوكرانية.. حين يصير الملجأ مسرحاً

31 اغسطس 2022
من العرض الذي أُقيم في "مسرح توب شوت" في ميكولايف، 25 آب/ أغسطس الجاري (Getty)
+ الخط -

لطالما نُظر إلى الفنّ الرابع بوصفه "ملجأ رمزياً"، يستعينُ به الفنّان في مواجهة السلطات، أو عندما تُضيّق هذه الأخيرة "مسرح الحياة" الحقيقي على الناس، لكن أن يُصبح الملجأ، بطقوسه وشروطه الحربية، مُتّسعاً ليحتضن عملاً مسرحياً بالمعنى الفعلي، فهذا هو ما جرى مؤخّراً في مدينة ميكولايف الأوكرانية. 

يوم الخميس الماضي، الخامس والعشرين من آب/ أغسطس الجاري، شهدت المدينة الواقعة جنوبيّ البلاد، افتتاح أوّل عرض مسرحي فيها منذ بداية الحرب بعنوان "تحقيق رغباتنا". حيث أُقيم في ملجأ يقع على عمق أربعة أمتار تحت الأرض، ويتّسع لخمسة وثلاثين شخصاً فقط، بعدما تمّ تجهيزه خلال شهرين، ليبدو المكان بذلك جبهةً من جبهات المقاومة الثقافية في المدينة، حسب ما صرّح به للصحافة المديرُ الفنّي للمسرح - الملجأ، آرتيوم سفيتسون. 

يُشار إلى أنّ المدينة تعدّ واحدةً من أكثر المراكز الحيوية التي استهدفتها آلة الحرب الروسية، حيث تمّ تدمير قرابة 123 مؤسّسة ثقافية، وتعرّضت ثلاث جامعات فيها للنيران. مع ذلك فإنّ عدّة ممثّلين، مثل: كاترينا تشيرنوليتشينكو ومارينا فاسيليفا وآخرين، آثروا تقديم العرض وبشكل تطوّعي في مكانٍ أُثّث بتقشّفٍ واضح، تلاؤُماً مع حالة الاستثناء، وهو مع ذلك لا يبدو بمنأىً حقيقي من أن يطاوله القصف في أيّة لحظة. فمسرح الحرب في الخارج مكشوف وفسيح ولا أمد له للأسف! ومدينة مثل ميكولايف صغيرة بتعداد سكانها في الأصل (500 ألف نسمة)، إلى جانب مَن هُجّروا منها بفعل الحرب، والذين يُقدّرون بنصف عدد السكان، لا شكّ أنّ من فيها يبحث عن مثل هذه المبادرات. 

قدّم الفنانون عرضهم بشكل تطوّعي، تلاؤُماً مع حالة الحرب

عليه، بدا الإعلان عن العرض بمثابة عودة للحياة الثقافية إلى المدينة إنّما من بوّابة المسرح، وكأنّه متنفّس لجمهور يترقّب فرصة كهذه حتّى يبتعد عن أجواء الحرب والدمار، على أمل أن تتمكّن فعاليات ثقافية أُخرى في المدينة من تحقيق خطوة مشابهة. فمسرح المدينة الرسمي الذي كان يتّسع لأكثر من 500 شخص، استُبدلَ في هذا الظرف الاستثنائي بغرفة متواضعة تحت الأرض إلّا أنّ رمزيّتها الفنية كفيلة بإنعاش آمال الممثّلين، وإشعارهم أنّ رسالتهم قد وصلت. 

من جهة ثانية فإنّ الواقع الذي يحكم الحركة الفنّية واحدٌ، سواء عند جمهور المتلقّين أو الممثّلين، فمنهم من اضطرّ لترك المدينة أو حتى البلاد، وآخرون التحقوا بوظائف عسكرية استُدعوا إليها. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الحركة المسرحية في أوكرانيا شديدة التنوّع ما بين الحضور الكلاسيكي والعروض الجديدة، كما أنّ البلد يحتضن قرابة 400 مسرح بين الخاصّ والعامّ.

الجدير بالذكر أنّه في أواخر حزيران/ يونيو الماضي شهدت العاصمة الأوكرانية كييف، عرضاً مسرحيّاً يستلهم عمل الروائي الإنكليزي جورج أورويل الأشهر "1984"، في محاولة يتقاطع فيها التزام المسرحيّين الأوكرانيّين بمهنتهم، وبين اختيارهم عملاً روائياً صار معروفاً في الأوساط الثقافية والسياسية على حدٍّ سواء، بأنّه سلاحٌ رمزيّ مؤرّق لسلطة بوتين في موسكو. وعلى هذا النحو، يبدو أنّ مسرح - ملجأ ميكولايف، يندرج في سياق التحدي والنهوض في آن، بعدما أتمّ الغزو الروسي لأوكرانيا شهره السادس.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون