في عام 1928، بدأ غوستاف دالمان نشر موسوعته باللغة الألمانيّة، والتي تناول فيها التراث الفلسطيني بعد أن قضى سنوات طويلة في فلسطين، وقد أصدر "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" نسخة عربية منها في عشرة مجلدات بعنون "العمل والعادات والتقاليد في فلسطين".
استمرّت ترجمة العمل، الذي ألّفه المستعرب الألماني وعالم اللاهوت والآثار واللغات القديمة (1855 - 1941)، أكثر من خمس سنوات. ويعد هذا الإصدار حدثاً معرفياً استثنائياً؛ فالكتاب وثيقة فريدة تاريخية وأنثروبولوجية، تسجيلية وتحليلية، يتناول فلسطين بحضارتها وتاريخها وتراثها ومعالمها وأرضها وشعبها، ويدرس مدينة القدس ومحيطها الطبيعي والبشري بمنهجية علمية رفيعة، بحسب بيان المركز.
الموسوعة هي في الأساس ثمانية أجزاء في تسعة مجلدات، إلا أن "المركز العربي للأبحاث" ارتأى أن يرفدها بمجلدٍ عاشر كتبه دالمان عن القدس، فأصبح مجموع المجلدات عشرة.
استمرت ترجمة الموسوعة أكثر من خمس سنوات، وصدرت في عشرة مجلدات
واستغرق تأليف الكتاب نحو أربع عشرة سنة، فيما صرف غوستاف دالمان نحو عشرين سنة في جمع المعلومات وتدوينها ومطابقتها على الواقع الجغرافي حتى تمكّن من تأليف كتابه "القدس ومحيطها الطبيعي". وكان المجلد الأول من هذا الكتاب قد صدر في سنة 1928، ثم صدر الجزء الثامن الأخير سنة 1942، أي بعد رحيل دالمان بسنة واحدة.
وتكمن أهمية هذا العمل في أن المؤلف، الذي عاش في فلسطين بين عامي 1899 و1917، لم يكن على غرار المستشرقين والرحالة واللاهوتيين والمستكشفين الآثاريين، الذين كانوا يترددون على فلسطين لفترات محدودة، ثم يعودون إلى بلادهم لإلقاء محاضرات أو لكتابة مقالات وصفية عن رحلاتهم، أو لتقديم تقارير إلى المؤسسات العسكرية أو الاستخبارية.
فدالمان شُغف بالقرى الفلسطينية وحياة البدو وطرائق العيش التي أتقنها الفلسطينيون في مدائنهم وقراهم وبواديهم، فكان يجول في الأمكنة، وينام في بيوت الفلاحين وخيام البدو، وتمكن من جمع معلومات ثرية عن الحياة في فلسطين، وأن يعقد صلة متينة بين الماضي والحاضر، وبين الجغرافيا والآثار والإثنولوجيا والحياة اليومية للسكان.
ويتضمن الكتاب كل ما تلحظه عين الباحث المراقب في فلسطين في تلك الفترة، بدءاً من فصول السنة وما يرافق ذلك من رياح وأمطار وحرث وغرس وزراعة وحصاد، علاوة على التقاويم والمواسم والأعياد والاحتفالات والترفيه والأغاني والموسيقى وطقوس العبادة والموت والأعراس.
يُذكر أن نقل الموسوعة شارك فيه مجموعة من المترجمين الذين اعتنوا بمراجعتها وتدقيقها، وهم: محمد أبو زيد (المترجم الرئيسي) وعمر الغول وفيوليت الراهب ومتري الراهب وجوزف حرب، وتولى عملية التحرير وضبط المصطلحات وتدقيق أسماء الأماكن والمواقع واللهجات المحلية صقر أبو فخر، فيما أنجز قسم التحرير في "المركز العربي للأبحاث" الفهارس العامة (الأماكن والأعلام والجماعات)، فضلاً عن التوثيق.