"مهرجان الأدباء الشبّان" في قليبية.. مقاومة الاستعمار أم التطبيع معه؟

16 اغسطس 2024
لوحتان من سلسلة "زيتون" للفنان التونسي أسامة الطرودي
+ الخط -

بعد أن كانت مقرَّرةً إقامتها نهاية تمّوز/ يوليو الماضي، تأجّلت فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين من "المهرجان الوطني للأدباء الشبّان" في مدينة قليبية بولاية نابل (شمال شرقي تونس) إلى نهاية آب/ أغسطس الجاري؛ حيث أعلنت "جمعية منارة الأدب"، المُنظِّمة للتظاهرة، في بيان لها، تأجيل الدورة لتُقام أيام 26 و27 و28 الجاري، بسبب "تأخُّر الدعم المالي مِن قبل الهيئات المموِّلة للمهرجان"، مع الاحتفاظ بعنوانها: "الأدب الشعبي ومقاوَمة الاستعمار".

في هذا السياق، قالت مديرة المهرجان سنية فرج الله، لوكالة الأنباء الرسمية في تونس، إنّ "جمعية منارة الأدب" لم تتلقّ سوى جزءٍ بسيط من ميزانية المهرجان المقدَّرة بخمسة وعشرين ألف دينار تونسي (قرابة ثمانية آلاف دولار أميركي) مِن قِبل "المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية" في نابل، والتي تكفّلت أيضاً بدعم عرضٍ فنّي مبرمَج خلال المهرجان، مضيفةً أنّ الجمعية لا تزال تنتظر الدعم من بلدية قليبية ووزارة الثقافة لتغطية تكاليف الدورة، خصوصاً أنّ المهرجان الذي تأسّس في الثمانينيات "يُعوّل على دعم الدولة فقط، لأنّ المهرجانات الأدبية لا تحظى باهتمام المستثمرين، على عكس المهرجانات الفنّية".

تأتي الدورة الجديدة في ظلّ حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرّة على الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وهو ما دفع القائمين على المهرجان إلى تخصيص فعالياته للإضاءة على تفاعُلات الآداب والفنون مع المقاوَمة، في سياق "مواكَبة المهرجان للأحداث الوطنية والدولية، ودعم القضية الفلسطينية"، وفق تعبير فرج الله.

هكذا، تفتتح الدورة الثامنة والثلاثون بمعرض تشكيلي للفنّان التونسي مراد صمود عن القضية الفلسطينية وعرضٍ موسيقي بعنوان "زخرف"، بينما تُقام في اليوم الثاني ندوةٌ فكرية تحت عنوان "الأدب الشعبي ومقاوَمة الاستعمار"، تتضمّن أربع مداخلات؛ هي: "النساء والمقاومة في الأدب الشعبي الفلسطيني" للباحثة هاجر منصوري، و"الإعصار الكولونيالي وجدار الشعر الشعبي" للشاعر الطيّب الحميدي، و"شعرنا الشعبي: صفحات من تاريخنا النضالي" للشاعر المختار المختاري، و"الشعر الشعبي ومقاومة الاستعمار في اليمن" للباحث اليمني مجيب الرحمن الوصابي. أمّا اليوم الثالث والأخير، فيُخصَّص لإقامة عددٍ من الورشات، والإعلان عن الفائزين في مسابقة المهرجان، ليُختَتم بعرض لـ"فرقة أُناديكم" الفلسطينية.

شارك السالمي وفنّانون تونسيون في حفل بمستعمرة إيلات عام 2010

إلى الآن، يبدو كلُّ شيء في محلّه لولا وجود نقطةٍ سوداء في برنامج المهرجان، من شأنها، ليس فقط أن تُسيء إليه، بل أن تنسف محور دورته الجديدة من الأساس؛ ففي أحد الحسابات التي نَشرت خبراً عن الدورة، يلفتنا تعليقٌ كتب صاحبُه، الذي يبدو أنّه ناشطٌ في مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي: "والله شي يضحَّك، مهرجان يحتفي بأدب المقاومة ويفتتح دورته بسهرة من تأثيث عازف عزف في إسرائيل مع محسن الشريف الذي هتف بحياة بيبي نتنياهو".

وبالعودة إلى البرنامج، نجد أنّ الأمر يتعلّق بعرض "زخرف" لعازف الكمان التونسي البشير السالمي الذي شارك، عام 2010، في حفلٍ أُقيم بمستعمرة إيلات الإسرائيلية، مع فنّانين تونسيّين آخرين: الملحّن عبد الوهاب الحنّاشي، والفنّان الشعبي نور الدين الكحلاوي، والمغنّي محسن الشريف الذي ظهر في فيديو وهو يهتف، خلال الحفل، بحياة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، قبل أن يُردّد أكثر من مرّة: "يحيا بي بي نتنياهو"!

أثار الأمرُ، حينها، غضباً شعبياً واسعاً؛ حيث دعا كثيرون إلى مقاطَعة هؤلاء الفنّانين ومنع استضافتهم في المهرجانات والحفلات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية، بل وسحْب الجنسية التونسية منهم، في حين ردّ محسن الشريف على الانتقادات بمنشور على حسابه في "فيسبوك" ادّعى فيه أنّه كان يجهل من يكون نتنياهو!

يُذكَر أنّ البشير السالمي قدّم، مطلع الشهر الجاري، حفلاً ضمن فعاليات الدورة الثامنة والخمسين من "مهرجان قرطاج الدولي"، وهو ما ندّدت به "الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني"، التي نشرت بياناً بعنوان "نتيجةً لعدم تجريم التطبيع: تكريم المطبّع البشير السالمي باسم فلسطين"، استنكرت فيه مشاركة العازف التونسي في "دورة تدّعي إدارة المهرجان أنّها خاصّة بفلسطين".

وذكّرت الحملة بأنّ السالمي شارك "بصفته عازفاً للكمان في العروض التطبيعية لمحسن الشريف في الأراضي المحتلّة. وقد دافع الأخير عن تطبيعه بكلّ وقاحة ولم يخجل من الاعتراف بأنّه مطبّع بكلّ وضوح، بل صرّح أنّ 'إسرائيل جنّة'، وأحيا حفلاً غنّى فيه لمُجرم الحرب نتنياهو"، وختمت بيانها بالقول: "نُحمّل المسؤولية للدولة التونسية، وعلى رأسها قيس سعيّد الذي عطّل تمرير قانون تجريم التطبيع في لحظة تاريخية ملائمة بامتياز ليكتفي بالجعجعة اللغوية التي لا تُغيّر شيئاً من موازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة".

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون