من دوناتيلو إلى مايكل أنجلو: فن التعبير عن المشاعر المتطرفة

27 ديسمبر 2020
من المعرض، نقش رخامي للقديسة بريجيت السويدية لـ أغوستينو دي دوتشيو
+ الخط -

في مطلع عام 2014، اختتم في "اللوفر" معرض "ربيع عصر النهضة" الذي أضاء نشأة حركة ثقافية كبرى شهدتها مدينة فلورنسا الإيطالية في بدايات القرن الخامس عشر مع انزياح متعاظم لتذوّق الفن واستيعاب الجمال الذي لم يعد محتكراً من قبل طبقة اجتماعية بعينها، مع أعمال لورنزو غيبرتي وميكيلوزو ودسيدرو دا ستيغنانو وغيرهم. 

في استكمالٍ لتلك المرحلة، يتواصل في المتحف الباريسي معرض "جسد وروح.. نحت عصر النهضة الإيطالية من دوناتيلو إلى مايكل أنجلو" حتى الثامن عشر من الشهر المقبل، والذي افتتح نهاية كانون الأول/ أكتوبر الماضي، ويتناول التحوّلات التي شهدتها الفنون في تقديم الناس بأسلوب يعكس حالاتهم الشعورية ولا يحجبها. 

يعرض القسم الأول لوحة القديسة السويدية بريجيت وهي تتسلم الموافقة على تأسيس دير رهبنتها، وهي من رسم الفنان أوغستينو دانتونيو دي دوتشيو (1418 – 1481) وهي منحوتة على رخام يتضمّن نقوشاً بارزة، والتي تمّ توارثها من حضارات قديمة، لكنها أصبحت مقيّدة بقوانين التشريح ودراسة المنظور.

كما يشاهد الزائر نقشاً رخامياً آخر يجسّد أسطورة أخيل وبنتيسيليا والمعركة المحتدمة التي وقعت بينهما وتظهر فيه الأجساد متشابكة في حالة من الفوضى والغضب كما نحتها الفنان برتولدو دي جيوفاني (1420 – 1491)، الذي أعاد تقديم العديد من الأساطير الأغريقية والرومانية مستخدماً مادة البرونز بشكل أساسي. 

يتناول التحوّلات التي شهدتها الفنون في تقديم الناس بأسلوب يعكس حالاتهم الشعورية ولا يحجبها

ينتقل القسم الثاني إلى الأعمال ذات المواضيع الدينية التي قدّمها نحّاتو تلك الفترة ما بين نهايات القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر بقوة تعبيرية في إبراز الآلام والعذابات التي يبذلها الأنبياء والقديسون من أجل تحريك إحساس المتلقي وإقناعه، ومنها نقش رخامي بعنوان "رثاء المسيح الميت" الذي اشتغله الفنان أنطونيو مانتيغازا (1440 – 1495)، وفيه تصرخ مريم العذراء من الألم وهي تلمس جبين ابنها المسيح. 

ويلفت المنظّمون إلى سيادة أسلوب كلاسيكي أكثر بساطة ورشاقة في وقت لاحق مع منحوتات بيترو بيروجينو (1450 – 1523) وأندريا ديلا روبيا (1435 – 1525) مع صعود ما سمّي حينها المدرسة الأومبريانية التي اعتمدت على عدم المبالغة في إظهار العواطف من قسوة وغضب وحماسة. 

تتسلسل الأعمال المعروضة زمنياً وصولاً إلى مايكل أنجلو (1475 – 1564) بمنحوتته "العبد المحتضر" التي يصل ارتفاعها إلى 229 سم، وتعدّ من أكثر أعماله تعقيداً في تجسيده ملامح البطل المكسور الذي يناضل من أجل إطلاق سراحه، حيث دمج فيه بين ثيمتي الموت والحرية المنتظرة، إلى جانب عمله الآخر "العبد المتمرد"؛ العمل الأكثر ديناميكية والذي استغرق نحته قرابة ستّة أعوام، واستطاع من خلالهما التعبير عن أقصى حدود الحركة في أضيق مساحات ممكنة. 

في القسم الثالث "من ديونيسوس إلى أبولو"، يتأمل الزوّار التطورات المتلاحقة في عصر النهضة من خلال تجاوز الإيماءات والعواطف المتطرفة، والتي أتت تعبيراً عن جملة أفكار وطروحات فلسفية وجمالية واجتماعية غيّرت من أساليب الفن وحضوره.

المساهمون