من النوافذ كلّها

24 مارس 2021
من "امرأة وماكينة خياطة" لـ ديفيد هوكني (1954)
+ الخط -

في محاضرة له، تحدّث الفلسطيني منير فاشه، العائد من مهنة التعليم إلى مسار التعلّم من الحياة في البيت والشارع والمقهى، عن مرجعين كانا له حين قدّم أطروحة نيل الدكتوراه من جامعة هارفارد الأميركية.

عن أمه الخياطة التي لا تقرأ ولا تكتب ولكنها تفصّل الثياب بدقة رياضية مذهلة، والدجاجة الفلسطينية التي تعلّم منها الاصطفاف مع نظائرها في قفص والتقاط الحب في صفوف تشبه صفوف تلاميذ المدارس. 

كان مرماه أن الحياة هي المعلّم الأول، وليس تقديم امتحانات ونيل شهادات، وما إلى ذلك من شروط اعتبرها أساطير. وأذكر أنه قال كلمة جوهرية كفيلة بتصويب مجرى ثقافة؛ قال "معرفتي بالمعادلات الرياضية لن يطلبها مني أحد، ولكن معرفة أُمي بالخياطة تجعل الناس يهرعون إليها، لماذا؟ لأن معرفتي غير مفيدة بينما معرفة أمي مفيدة".

الدراسة وحدها، كما فهمت منه، لا تكفي لتجعل الإنسان عنصراً فاعلاً، بل الحياة. ولكن.. ماذا لو أدخلنا تصويباً بسيطاً وقلنا نعم للدراسة بشرط أن تكون دراسة منطلقها ومآلها الحياة الواقعية وليس العوالم المجرّدة؟ 

أي أن يتحرّر الدارس من الغمامتين على جانبي وجهه، والمسار الوحيد الذي يتبعه مثلما تتبعه بقرة أو ثور يدوران في ساقية، ويطل على طرقات الحياة من النوافذ كلها؟

* شاعر وروائي وناقد من فلسطين

 

المساهمون