تُعَدُّ مُفردتا "الخوف" و"الحرية" متلازمتَين في حياة النساء بمجتمعاتنا، حيث تُشكّل الأُولى حاجزاً دون الوصول إلى الثانية. ليس هذا فحسب، بل إنّ الأنماط الاجتماعية التي تُخضِع المرأة لجُملةٍ من النُّظم القِيَمية، تصوّر الحرّية بأنها شيء خارجٌ عن المألوف وتهدّد العادات السائدة.
لكنْ في المقابل، لطالما أثبتَت نساءٌ عربياتٌ كثيرات قدرتهنّ على كسْر تلك الترسمية؛ فخرجنَ من أُطُر الخوف صوب حرّية تُحقِّق لهُنّ ذواتَهنّ. ومن إحدى النماذج النسوية التي يتمثّل فيها هذا، الحقوقيةُ والمُحلِّلة النفسية المصرية عفاف محفوظ (1938).
"من الخوف إلى الحرّية: رحلة امرأة مصرية من الصعيد إلى ما وراء المحيط" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن دار "الكتب خان"، بمناسبة شهر المرأة؛ وهو عبارةٌ عن سيرة روَتها عفاف محفوظ، وكتبها وأعدّها الصحافي المصري خالد منصور.
يروي العَمل سيرة المُحلِّلة النفسية، منذ مولدها في محافظة المنيا في صعيد مصر، أثناء الانتداب الإنكليزي وعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى تقاعُدها من عملها قبل سنوات، في فلوريدا الأميركية.
يقع الكتاب في مئتي صفحة، وتسردُ فيه محفوظ ما يقارب مئة عام من التاريخ المصري المعاصر، حيث ترجع إلى زمن ما قبل ولادتها بأعوام. وتتّخذ من الشخصي إطاراً لتناول موضوعات ووقائع عامّة، خاصّةً أنّ عقدي الأربعينيات والخمسينيات، أي مرحلة طفولتها وشبابها، شهِدا تغيُّرات كبيرة على المستوى السياسي في البلد.
تروي محفوظ في سيرتها أيضاً، قصّة انتقالها أواسط الستّينيات إلى فرنسا، وأثر ذلك على دراستها للتحليل النفسي، بعد أن كانت قد تخرّجت من كلّية الحقوق في "جامعة الإسكندرية". كما تعرّج على الآثار السياسية والنفسية لنكسة عام 1967، وتنقُّلخا بعد ذلك بين العمل الأكاديمي في مصر، ثم في الولايات المتحدة، وهي البلد الثاني بعد فرنسا الذي ساهم في تشكيل مسيرتها المعرفية والمِهنية، حيث تفرّغت لاحقاً لممارسة التحليل النفسي هناك.
في الكتاب أيضاً إطلالةٌ على مشهد المثقّفين المصريين المنخرطين بالشأن العام، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مثل مصطفى صفوان، ونوال السعداوي، وإنجي أفلاطون، وأمينة رشيد، ولطفية الزيات، وآخرين.