مفكّرة المترجِم: مع زوينة آل تويّه

07 يناير 2023
زوينة آل تويّه
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى العربية اليوم. "معظم دُور النشر العربية ذات نظرة مادّية جشعة ولا تكترث لجودة العمل وحقوق المترجم أو الكاتب"، تقول المترجمة العمانية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ 

- الحكاية كلّها بدأت مع القراءة التي وجدَتْنِي ووجدتُها في عُمر مبكّر، وبفضلها أقدمت على الكتابة. عندما كنت طالبة في الجامعة شُغِفْتُ بأشعار محمود درويش الأولى، شأني شأن مَن كانوا من جيلي، وحاولتُ ترجمتَها إلى إنكليزية بسيطة بما تيسَّر لي من مفردات آنذاك. أخذ ذلك زمنًا قصيرًا ثم نسيت الأمر تمامًا، لأنني شُغِلتُ بكتابة القصة القصيرة، ثم توقّفتُ عن الكتابة، فأرشدتني القراءة إلى ترجمة مقالات وقصص كلاسيكية من الأدب الإنكليزي كانت في الحقيقة تدريبًا مهمًّا لي على ترجمة الروايات بعد ذلك.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟

- آخر ترجمة لي كانت رواية "هامنت" لماغي أوفارل، وقد أصدرتها "دار أثر". وحاليًّا أُوشِك على الانتهاء من ترجمة رواية "الهدية الأخيرة" لصاحب "نوبل للآداب" (2021) عبد الرزاق قرنح. 

حلمي الشخصي هو أن أواصل ترجمة الأدب إلى آخر العمر

■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 

- عقبات كثيرة بلا شك، لكنّ أبرزها في نظري العائد المادّي الضئيل وغير المجزي، لقاءَ الجهد الشاقّ والباهظ الذي يبذله المترجِم في عمَلٍ يعكفُ عليه شهورًا طويلة وأحيانًا سنوات. 


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- إذا كان هذا القول صحيحًا فلا بدّ من مراجعته. مهما بلغ إتقان المترجِم في عمله لا بدّ من عين أُخرى تقرأ العمَل وترى ما لا يراه المترجِم، وهذه العين هي عين المُراجِع والمدقّق اللغوي والمحرِّر. هؤلاء الثلاثة لا نكاد نعرفهم في عالم النشر العربي، لأننا على صعيد الترجمة والكتابة الإبداعية عمومًا نفتقر إلى هذا التقليد. ومُعظم دُور النشر العربية، للأسف الشديد، ذات نظرة مادّية جشعة لا تكترث لجودة العمل وحقوق المترجم والكاتب والمحرِّر والمدقّق اللغوي، بقدر ما تكترث للعائد المالي الخاصّ بها. لذلك لا عجب ممّا نراه اليوم من ترجمات بائسة تنتشر انتشار النار في الهشيم. بالنسبة إلى المحرِّر، فدوره غامض في دور النشر العربية، هذا إن وُجِد. أحرص بنفسي على إيجاد محرِّر كفْءٍ يقرأ عملي ودائمًا ما أتعلَّم منه، لكنّ مَن أعرفهم من محرّرين أكفياء يعتذرون في نهاية المطاف لأنهم في الأصل كُتَّاب يفضِّلون التركيز على كتابتهم، فضلًا عن أن التحرير غير مُجْزٍ ماديًّا، وهم محقُّون في ذلك، فعمل كالتصحيح اللغوي أو التحرير يتطلَّب جهدًا ووقتًا كبيرين يستحقّان مكافأة سخيَّة، كما هو الحال والمتعارف عليه في الغرب الذي تتمتّع دور النشر فيه بتقاليد راسخة في هذا الشأن.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- لحُسن الحظّ أنها علاقة جيّدة يسودها التفاهم، وقد حدث أن اقترحت بنفسي عناوين وافق عليها ناشرون تعاملت معهم. أحظى بحرّية في اختيار ما يعرضه الناشر، ولا سيَّما إذا عرض كتابين أو أكثر، حيث يتيح لي حرّية اختيار أكبر. 


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- أفضِّل اختيار الأعمال الأقرب إلى ذائقتي الأدبية وحساسيتي اللغوية.

نفتقر في العالم العربي إلى تقليد يُعطي للمُحرّر دوره

■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟

- علاقتي قوية بالكُتَّاب الذين حظيت بترجمة أعمالهم وأدَّت المصادفات دورًا في الاتّصال بهم. أُتيحت لي فرصة مناقشتهم وإطلاعهم على الترجمة، وذلك فتحَ مجالًا بيننا لقراءة العمل من وجهات نظر مختلفة. 


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- كوني كاتبة أفادني في الترجمة إلى حدٍّ كبير، فترجمة الأدب هي كتابة إبداعية أيضًا، والكاتب يتمتّع عادةً بحساسية لغوية مرهفة في علاقته بالكلمة، وهذا يظهر في ترجمته كذلك. لكنّ علاقة المترجِم ـ الكاتب بالعمل المترجَم نفسه تلزمه بأن يكون منتبهًا دائمًا إلى أن العمل الذي أمامه ليس عمله الخاص، ومن ثم فإن شروط العلاقة تختلف هنا، وينبغي أن يحترم صوتَ كاتب النص الأصلي وأسلوبه حتى إن لم يتوافق معهما أحيانًا.


■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- الجوائز مهمّة لتقدير إنجاز المترجم وإيصال عمله إلى عدد أكبر من القُرَّاء، وهي إضافة إلى ذلك تُعينه مادِّيًّا. لكنّ السؤال الذي يبقى في نهاية المطاف هو: هل تُساهم الجائزة حقًّا في إيصال العمل المترجم إلى عدد أكبر من القُرَّاء؟ هذا إذا تفاءلنا وافترضنا أن هناك عددًا لا بأس به من القُرَّاء. لأن ما يحدث في الواقع هو أننا لا نعرف شيئًا عن العمل الفائز بعد فوزه. إننا نفتقر إلى أية إحصائيات متعلّقة بهذا المجال.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- أظنّ أن بعض مشاريع الترجمة التي تنضوي تحت مؤسّسات عربية بحاجة إلى التحلّي بشيء من المِهنية والابتعاد عن المحاباة.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- أحرص على الترجمة يوميًّا تقريبًا، كلما سنحت الفرصة. لا أدري إذا كان يمكن عدُّ ذلك مبدأً أو قاعدة أسير وفقها. عاداتي في الترجمة هي عادات كلّ مترجم؛ قراءة العمل والبحث فيه والاقتراب من عوالم كاتبه وقراءة أعمال أُخرى له إن كانت متاحة. 


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- لم يحدث شيء من ذلك، لأنني أحرص على اختيار ما يناسب ذائقتي منذ البداية، وأعلم أن رحلتي في ترجمة العمل ليست قصيرة ولا هيِّنة. قراءة العمل أكثر من مرّة تمنحني الثقة بصحّة اختياري، وهذا من شأنه التقليل من الإحساس بالندم في ما بعد. الحقُّ أن لكلّ كتاب ترجمتُه معزَّةً خاصّة في قلبي وقصّةً مختلفة.


■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟

- أتمنّى أن تُنشأ مكتبة عربية ضخمة تضمّ أهمّ الترجمات من مختلف اللغات وتحمل أسماء مترجمين عرب ثُقاة، أمثال سامي الدروبي، وجبرا إبراهيم جبرا، ومنير البعلبكي، صاحب "المورد الأكبر"، الذي لطالما اعتبر أن الترجمة أصعب من التأليف. حلمي الشخصي هو أن أواصل ترجمة الأدب بحُبٍّ إلى آخر العمر.


بطاقة

كاتبة ومترجمة عمانية من مواليد مدينة إبراء، عام 1976. نقلت إلى العربية كلّاً من "بارتلبي النسَّاخ" لهرمان ملفل (رواية، 2010)، و"ما رأيكم في شكلي الآن" لرندة عبد الفتاح (رواية للناشئة، 2012)، و"عمدة كاستربردج" لتوماس هاردي (رواية، 2019)، و"مائدة القطّ" لمايكل أونداتجي (رواية، 2019)، و"وحده الحالم يصحو" لماريا بوبوفا (مقالات، 2022)، و"هامنت" لماغي أوفارل (رواية، 2022). ولها في القصّة "المرأة الواقفة تجلس" (2005).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون