مفكرة المترجم: مع هناء خليف غني

11 أكتوبر 2021
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "ليس هناك نص ندمت على ترجمته. جميع المقالات والدراسات والكتب التي ترجمتُها أضافت لي الكثير في المستويات الشخصية والأكاديمية، وحتى النفسية"، تقول المترجمة العراقية هناء خليف غني.


■ كيف  بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- حكايتي مع الترجمة بدأَت باقتراحٍ من صديقة تعرف شغفي بالأدب الإنكليزي، إذ اقترحَت عليَ ترجمة مادّة وإرسالها إلى إحدى المجلّات الثقافية. في ذلك الوقت، كانت المجلّات ورقيةً ومحدودة العدد. بعد مراجعة ما كان متوفّراً لديَّ من مواد، استقرّ رأيي على مقالٍ بعنوان "روائيو الذاكرة السوداء" يتحدّث عن رؤية الروائيّين السود لمشكلات مجتمعهم، وقد نُشر في مجلّة "الرافد" الاماراتية في عام 2000. كانت أوّل خطوة في مشواري، تبعَتها خطوات أُخرى، إذ ترجمتُ دراسات ونصوصاً أدبية مسرحية وسردية وشعرية نُشرت في العديد من المجلّات والصحف. 


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟

- الحمد لله، صدر لي كتابان مترجمان في عام 2021؛ الأوّل عن "دار الرافدين" بعنوان "نيتشه: سيرة فكرية"، وهو أوّل كتاب لي في حقل الفلسفة، والثاني عن "دار شهريار" بعنوان "الجسد ديناً: الجمال والجندر والنحافة". وقدّمتُ كتابَين انتهيتُ من ترجمتهما قريباً؛ أحدهما سيُنشر ضمن مشروع مبادرة وزارة الثقافة العراقية لترجمة مائة كتاب بعنوان "حجب رؤية الإسلام: بلاغة التمثّل الأنثروبولوجي"، والثاني بعنوان "الأدب والأنثروبولوجيا: النص والمؤلّف والقارئ" سيصدر عن "دار المأمون" في وزارة الثقافة. وكما يُقال: في الجعبة الكثير في المرحلة القادمة.


■ ما هي برأيكِ أبرز العقبات التي تواجه المترجم العربي؟

- هناك الكثير من العقبات التي تحُول دون استغلال طاقات المترجم بالطريقة المثلى؛ منها على سبيل المثال، تعذُّر التفرُّغ للترجمة في ظلّ العائد المادي الضئيل أو انعدامه أحياناً، والافتقار إلى الحرفية في عمل بعض دور النشر التي تعتني بترجمة نصوص دون غيرها، والنظرة العامّة التي تميل إلى استسهال العمل الترجمي أو عدم تقدير الجهود المبذولة فيه حقَّ تقديرها. وهناك عقباتٌ أُخرى تتّصل بالنصوص ذاتها وصعوبة التوصُّل إلى المقابلات اللغوية ولاسيَّما في المفردات الاصطلاحية التي تتعدّد ترجماتُها.

أتمنّى أن يحظى المترجِم بالتقدير الذي يستحقّه

■ هناك من يقول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرر، هل ثمة من يحرر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- أرى أنَّ هذا القول يُجانِب الصواب، على الأقلّ في ما يتّصل بي. الدور الذي يؤدّيه المحرّر مهمّ للغاية، ولاسيَّما إذا كان هذا المُحرّر محترِفاً في عمله. تحرير النص المترجم يُسهم في تجويده وتخليصه ممّا قد يعتريه من الأخطاء التي قد يقع فيها المترجِم، وتحديداً إذا كان المترجم غير مختصّ في مادة الكتاب الذي يترجمه. رحّبتُ بمراجعة الأستاذ عدنان فالح دخيل لكتاب نيتشه بحكم تخصّصه في الفلسفة. اخترتُ ترجمة الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية مع أنّ الأدب الإنكليزي هو تخصُّصي الأوّل. كُتبي الصادرة عن "المركز الأكاديمي للأبحاث" و"الرافدَين" و"شهريار" خضعت للتحرير والمراجعة، وكانت بحقّ تجربةً مفيدة لي.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر ولاسيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- يعتمد ذلك على أسلوب عمل الناشر. بعض الناشرين على قدر كبير من الثقافة والتفاني ولديهم رؤية واضحة ومعايير يعتمدونها في تعامُلهم مع المترجمين. أمّا اختيار العناوين، فهو مسألة تحكمها جملة أمور؛ منها ذائقة القرّاء ومعرفة الناشرين، بحكم الخبرة وعملهم في سوق النشر، بما يمكن تسويقه. بعض الموضوعات، بحسب الناشرين، تلقى رواجاً بين القرّاء، والعكس صحيح. في البدء، كنتُ أختار النصوص وأُباشر في ترجمتها ثم أعرضها على الناشر، لكنّي حالياً أفعل العكس: أتّفق مع الناشر ثم أترجمها، وهذا أفضل لي كمترجمة.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو مواقف الكاتب السياسية؟

- المحاذير المتّصلة باختيار النصوص لا تتّصل بالسياسة وحسب، برغم قناعتي بأنّ النصّ الجيد سواء أكان سياسياً أو غيره هو الذي يفرض نفسه. في العالم العربي، هناك تابوهات ومحاذير أُخرى تنبغي مراعاتها كذلك. لم أواجه مشكلة في هذا المجال مع اعتقادي بضرورة مراعاة ظروف بلد المترجم السياسية التي قد تفرض عليه اختيار نصوص دون غيرها. ولأنّ الاقتناع بأهمية النص والتفاعُل معه يُمثّل جانباً أساسياً في العمل الترجمي، أفضّل توخّي الدقّة في اختيار النصوص. 

ما بعد الحداثة - القسم الثقافي

■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟

- إذا كان الكاتبُ الأصلي على قيد الحياة، فهذه فرصة كبيرة للمترجم للاتصال به والاستفسار منه. في ترجمتي لكتاب "حجب رؤية الإسلام"، استفدت كثيراً من التواصل مع المؤلّف مارتن دانيل فاريسكو في فهم بعض العبارات والمفاهيم التي وردت فيه. وحتى الاختيار النهائي للعنوان تغيَّر بعد حديثي معه، وقد شرحتُ ذلك في هامش يُبيّن السبب. الحمد لله، بفضل شبكات التواصل الإجتماعي صار التواصل مع المؤلّفين الأحياء والاطّلاع على سِيَر حياتهم ونتاجاتهم أسهل بكثير.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- ثمّة رؤية في الترجمة تقول إنّ المترجم هو كاتب ثانٍ للنص الأصلي، وأنا أتّفق مع هذه الرؤية إلى حد بعيد. ليست الترجمة مجرّد نقل ميكانيكي للمقابلات اللغوية والبنى النحوية، بل هي أسلوب وصياغة وتعابير على المترجم أن يبذل أقصى ما لديه من جهد ليقدّمها بأفضل صورة. ربّما أثّرت دراستي للأدب الإنكليزي في اختياري للمفردات اللغوية وفي مجال الكتابة لي محاولات قليلة، إذ كتبتُ ثلاث دراسات نقدية عن مجموعتين قصصيتَين للكاتب والمترجم العراقي جودت جالي. إذن العلاقة بين الكاتب والمترجم متداخلة ومتكافلة.


■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- الجوائز عموماً مهمّة، وليس هناك مترجم لا يتمنّى نيل جائزة تَعكس تقدير المجتمع والمؤسّسات المعنية بالثقافة لعمله ولدور الترجمة في التجسير والتواصل بين الثقافات. فرِحتُ كثيراً بحصولي على "جائزة يوم العلم" من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية عن ترجمة كتاب "ما الذي يفعله الأنثروبولوجيون؟" في 2021. ومع أنّ نيل الجوائز يُشكّل دافعاً معنوياً كبيراً، إلّا أنّ الأهم بالنسبة إلى المترجم هو مواصلة الترجمة والقراءة وتلمُّس مَواطن الجمال في النصوص.

ضآلة عائدها المادي يجعل التفرُّغ للترجمة متعذّراً

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- أتّفق معك، الترجمة في العالم العربي، عموماً، مشاريع أفراد لا مؤسّسات. للأسف، ليس هناك مشاريع مؤسّساتية يُعتمد عليها. أتحدّث هنا عن بلدي العراق. هناك الكثير من الجهات المعنية بالترجمة مثل وزارة الثقافة و"دار الشؤون الثقافية" و"دار المأمون"، وبرغم الجهود المبذولة، إلّا أنّنا نأمل في المزيد من العناية من حيث التنسيق بينها واختيار الكتب ومراجعتها والاهتمام بتقديمها بالصورة اللائقة. هناك الآن مبادرة ترجمة مائة كتاب في وزارة الثقافة ونأمل تطويرها والاستمرار فيها، ونأمل كذلك في تأسيس مركز قومي للترجمة على غرار ما هو موجود في مصر وبعض دول الخليج.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- مثل أي عمل ونشاط إنساني آخر، العمل في ترجمة الكتب تحكمه جملة من القواعد العامة منها قراءة الكتاب والاطلاع على محتوياته، ثم قراءة ما يوازيه باللغة العربية توخّياً للدقّة. وبعد الانتهاء من المسوّدة الأولى، يأتي دَور المراجعة وما يمكن وصفه بتشطيب العمل؛ حيث أُراجع النص فقرةً فقرةً وجملةً جملةً، وأقف على ما سجلته من ملاحظات تخصّ إضافة الهوامش وتوضيح بعض المصطلحات والتعريف بالأعلام وغيرها. وهناك مراجعة نهائية بعد عودة النص من الخبيرَين اللغوي والعلمي.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- ليس هناك نص ندمت على ترجمته. جميع المقالات والدراسات والكتب التي ترجمتُها أضافت لي الكثير في المستويات الشخصية والأكاديمية وحتى النفسية، وأسهمَت في تعزيز حبّي وشغفي بالترجمة وتعريف القرّاء بي. وإذا كان هناك ما أندم عليه فهو قضائي سنوات طويلة في ترجمة مقالات متفرّقة جلُّها أدبية ويتعذّر حالياً جمعُها في كتاب لافتقارها الوحدة الموضوعاتية. المفارَقة أنّي ما زلتُ أفعل ذلك حتى الآن. بصراحة، بعض المقالات لا تقاوَم في جاذبيتها!


■ ما الذي تتمنّينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟

- أتمنّى وجود مؤسّسات لها رؤية واضحة فيما يتّصل بترجمة النصوص من اللغات الأُخرى إلى العربية وبالعكس، وأشدّد على الترجمة من العربية إلى اللغات الأُخرى لأهميتها في التعريف بأدبنا وفكرنا. أتمنّى أيضاً الاهتمام بما يُعرَف بالترجمة المتّصلة، بمعنى ترجمة الأعمال الكاملة للكاتب، والترجمة المتخصّصة، أي تخصُّص المترجم في حقل معرفي معيَّن. كما أرجو من أقسام الترجمة أن تعتني بممارستها وخلق أجيال من المترجمين لا الاكتفاء بتدريس موادها. وأخيراً، أتمنّى أن يحظى المترجِم بالتقدير الذي يستحقّه.


بطاقة

مترجمة عراقية حاصلة على دكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد، تعمل أستاذة في قسم الترجمة بكلية الآداب في "الجامعة المستنصرية". من ترجماتها: "القارئ الضمني: أنماط الاتصال في الرواية من بينيان إلى بيكت" (2006)، و"العيش في الشوارع: أنثروبولوجيا التشرّد" (2011)، و"الأنثروبولوجيا التطبيقية" (2015)، و"أنثروبولوجيا الإسلام: دراسة نقدية" (2016)، و"العنف في المجتمعات المعاصرة: مواجهات إثنوغرافية" (2017)، و"أنثروبولوجيا الجنس" (2017)، و"الأنثروبولجيا التربوية في العالم العربي: التدريس الخصوصي في مصر أنموذجاً" (2018)، و"على خطى السيّدة زينب: الاثنا عشرية في سوريا المعاصرة" (2019)، و"ما بعد الحداثة: الكتابة، الفن، الجسد" (2020)، و"أنثروبولوجيا العنف والصراع" (2020).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون