استمع إلى الملخص
- نشرت التميمي ترجمات مثل "تغريبة القافر" و"زائرات الخميس"، وتعمل على مشاريع جديدة مثل "الفكر الترَجَمي". تؤكد على أهمية التعاون مع المحررين لاختيار نصوص ذات قيمة معرفية وأدبية.
- تؤمن التميمي بأن الترجمة تصحح الصور النمطية وتعزز السلام، وتسعى لنقل جمال الفكر العربي إلى الفارسية. من مؤلفاتها للأطفال "الخضاري" و"ريم مشداخ".
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أؤمن أنّ مهمّتي ليست مجرّد نقل كلمات من لغة إلى أُخرى، بل هي دعوةٌ إلى التفاهم والتقارب"، تقول المترجمة الأهوازية معصومة التميمي في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- ما يُثقلني هذه الأيام هو الشعور بالعبء الكبير لما يحدث في غزّة من عدوانٍ وحشي، وما يعانيه الأبرياء هناك من قتلٍ وتشريد. بصفتي مسلمة، وإنسانة، فإنّ هذه المأساة تترك في نفسي شعورًا بالعجز والقهر، خاصّة حين أرى الأطفال والنساء يدفعون أثمانًا باهظة. لكنّني، في الوقت ذاته، أدرك أنّ لي دورًا أستطيع تقديمه من خلال عملي مترجمة، وهو أن أكون جسرًا لنقل أصوات من لا يُسمع صوتهم إلى العالم. لقد قمت بالفعل بترجمة مقاطع من غزّة لشبكات إخبارية، وأسعى في المستقبل إلى ترجمة عمل أدبي يعبّر عن النضال الفلسطيني، ليبقى صوت الحقّ والإنسانية حاضرًا في كلّ مكان. أؤمن أنّ للكلمة قوّة كبيرة، ودوري مترجمة هو استخدام هذه القوّة في سبيل نقل الحقيقة ومناصرة العدالة.
■ كيف بدأت حكايتكِ مع الترجمة؟
- بدأت حكايتي مع الترجمة عندما كنت طالبةً في قسم ترجمة اللغة العربية إلى الفارسية والعكس بكلّية الآداب في "جامعة الزهراء" بطهران. كان شغفي باللغات ورغبتي في بناء جسر تواصل ثقافي بين الشعوب هو ما دفعني لاختيار هذا التخصّص. أوّل أعمالي كان ترجمة مختارات من قصص المثنوي لجلال الدين الرومي إلى العربية، في جزء من أطروحة الماجستير. هذا العمل فتح لي أبوابًا لفهم أعمق للتعبيرات الثقافية بين اللغتين. أمّا العمل الثاني، فكان ترجمة رواية "تغريبة القافر" إلى الفارسية، والتي صدرت عن "دار عبارت" في طهران عام 2024. شعرت بسعادة غامرة وأنا أسهم في إيصال جمال الأدب العربي إلى القارئ الفارسي، وأطمح لأن أستمرّ في تقديم المزيد من الأعمال التي تُعزّز الحوار الثقافي بين الثقافتين العربية والفارسية.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
- آخر ترجماتي التي نُشرت روايتا "تغريبة القافر" لـ زهران القاسمي و"زائرات الخميس" لبدرية البشر. بالإضافة إلى ذلك، أنجزتُ ترجمة ديوان شعر الهايكو "عصافير تحلّق في الأعماق" لسامح درويش، ومجموعة شعرية بعنوان "ليل قصير" لإسحاق العجمي، كما ترجمتُ رواية "المنظّرون" لأباذر الطيب، الصادرة. من بين أعمالي أيضًا دراسة وترجمة بعنوان "في شعر المرأة الفارسية إلى اللغة العربية"، ستصدر قريبًا في عُمان.
أسعى لترجمة عمل أدبي يُعبّر عن النضال الفلسطيني
مؤخّرًا، أنهيتُ ترجمة كتاب "انعكاس" للكاتبة العُمانية شريفة التوبي؛ وهو مجموعة قصصية مميّزة تجمع بين الحبكات المُحكمة والنهايات المفاجئة، وتتناول قضايا المرأة والتفاعل الاجتماعي برؤية نقدية وإبداعية مستلهمة من الواقع. كما أنجزتُ ترجمة مجموعة للشاعر عدنان الصايغ. وآخر ما لديّ هي دراسة وترجمة بعنوان "أميرة الشعراء العربية"، تسلّط الضوء على شعر المرأة العربية المشاركة في موسم "أمير الشعراء". أمّا الآن، فأعمل على ترجمة كتاب "الفكر الترَجَمي" لعيساني بلقاسم، ورواية "زعفرانة" لهدى النعيمي. هذه المشاريع تمثّل بالنسبة إليّ تحدّيًا جديدًا وفرصة لتوسيع آفاق الحوار الثقافي بين الشعوب.
■ ما هي، في رأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- بالنسبة إليّ بوصفي مترجمة متخصّصة، أجد أنّ التحدّيات تقلّ مع التسلّح بالدراسات العلمية الحديثة في الترجمة والتدريب على معالجة الإشكاليات بين اللغتين، إضافة إلى الاعتماد على المصادر المرجعية والقواميس التخصّصية. ومع ذلك، تظلّ هناك عقبات مثل القيود المفروضة على ترجمة بعض النصوص الحسّاسة سياسيًا أو ثقافيًا، لكن معرفتي بهذه الجوانب ساعدتني على تجاوزها وتقديم ترجمة دقيقة وواعية.
■ هناك من يقول إنّ المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- في إيران، يُعتبر دور المحرّر جزءًا أساسيًا من عملية النشر، حيث إنّ العديد من دور النشر لا تُصدر الكتب من دون مراجعة دقيقة من قبل محرّر متخصّص. المحرّر يلعب دورًا مهمًّا في ضمان تقديم ترجمة خالية من الأخطاء اللغوية أو المفاهيمية، كما يساعد في تحسين النص ليكون أكثر سلاسة ووضوحًا بالنسبة إلى القارئ. أُؤمن بأنّ التعاون بين المترجم والمحرّر ليس تقليلًا من عمل المترجم، بل هو خطوة ضرورية لتعزيز جودة الترجمة وإبرازها بالشكل الأمثل.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- علاقتي مع الناشر ودّية ومبنية على التعاون المشترك، حيث إنّني لا أكتفي بعملية الترجمة، بل أحرص أيضًا على الترويج للكتاب بعد صدوره. عادةً ما أشارك في جلسات توقيع الكتاب في مدن وأماكن مختلفة داخل البلد، وأسهم في تعريف الجمهور بالعمل من خلال حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، أشارك بشكل فاعل في عملية تسويق الكتاب، وهو ما يجعل الناشر يرغب في التعاون معي باستمرار. علاوة على ذلك، فإن تخصّصي في مجال الترجمة وعلاقاتي الطيّبة مع الكُتّاب العرب والفُرس يضيفان بُعدًا إضافيًا لهذا التعاون المثمر.
العلاقة بين الكاتب والمترجم داخلي تكاملية وليست تنافسية
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- بما أنّني مهتمّة بشكل خاصّ بقضايا المرأة والبيئة والترجمة الأكاديمية، فإنّ اختياراتي للأعمال التي أترجمها تركّز غالبًا على هذه المواضيع. أسعى دائمًا إلى اختيار نصوص ذات قيمة معرفية أو أدبية تسلّط الضوء على هذه القضايا المهمّة. أمّا بالنسبة إلى الطرح السياسي للمادة المترجمة أو مواقف الكاتب السياسية، فأنا أتعامل مع النصوص بحيادية مهنية، وأركّز على جودة العمل وأهمّيته الثقافية أو الأدبية بعيدًا عن الانحيازات الشخصية أو السياسية.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
- أعتبر نفسي مسافرة بين اللغتين والثقافتين العربية والفارسية، وهو ما يجعل علاقتي مع الكاتب أو الشاعر الذي أترجم له ذات طابع خاص. عادةً ما أتواصل مباشرة مع المؤلّف لفهم رؤيته وأبعاد النص بشكل أعمق، ممّا يساعدني على تقديم ترجمة دقيقة تعكس روحه وأسلوبه. بيننا علاقات ودّية قائمة على التقارب الثقافي والاحترام المتبادل، وهو ما يُثري تجربتي بوصفي مترجمة ويُعزز جودة العمل الذي أقدمه.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- العلاقة بين الكاتب والمترجم داخلي هي علاقة تكاملية، وليست تنافسية. كوني مترجمة، أجد نفسي أتحلّى بروح الكاتب أثناء الترجمة، حيث أعمل على فهم النص بعمق وإعادة صياغته بأسلوب يعكس روح النصّ الأصلية، مع الحفاظ على جماليات اللغة التي أنقل إليها. أمّا عندما أكون كاتبة، فإنّ تجربتي في الترجمة تضيف لي عمقًا لغويًا وثقافيًا، وتفتح أمامي آفاقًا جديدة في التعامل مع النصوص. في النهاية، المترجم والكاتب داخلي يعيشان حالة انسجام، حيث يدفعني كلاهما لتقديم نصوص ذات قيمة أدبية وفكرية عالية.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- أتابع دائمًا نتائج جوائز الترجمة العربية باهتمام كبير، وأجد فيها فرصة لتقدير الجهود المتميّزة في هذا المجال. من خلال تجربتي، لاحظت أنّ الأعمال الحائزة على جوائز أدبية غالبًا ما تتميّز بجودة استثنائية في المحتوى والأسلوب، ما يجعلها جديرة بالتكريم. إضافة إلى ذلك، تخضع هذه الجوائز لتقييم أكاديمي دقيق، ممّا يمنح الأعمال المختارة مصداقية وقيمة عالية، ويجعلها مصدر إلهام لي أنا المترجمة. ومع ذلك، أعتبر عملية الترجمة في المقام الأول فنًّا ومتعة، وأركّز على تقديم نصوص مميّزة بدلاً من التفكير في المشاركة بالجوائز.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها في رأيك؟
- مشاريع الترجمة المؤسّساتية مهمّة لدعم المترجمين الأفراد، لكنّها تحتاج إلى تحديد أولويات واضحة واختيار نصوص متنوّعة تهمّ القارئ العربي. كما يجب تحسين تسويق الأعمال المترجمة للوصول إلى جمهور أكبر. إذا تمّ تنظيم هذه المشاريع بشكل جيّد، يمكن أن تسهم بشكل كبير في تطوير الترجمة العربية.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها بصفتك مترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- بوصفي مترجمة متفرّغة بحكم اختصاصي، أكرّس وقتًا طويلا للترجمة بما يليق بأهمّيتها، إذ أقضي أكثر من ثماني ساعات يوميًا في المنزل منكبّة على العمل. أمّا عاداتي في الترجمة، فهي في الواقع تمثّل المبادئ التي ألتزم بها: أبدأ بقراءة النصّ ودراسته بعمق، متبوعة بالاطلاع على كلّ ما كتبه الكاتب وما كُتب عنه. لا أشرع في الترجمة إلّا بعد أن أستوعب النصّ في لغته الأصلية، سواء كانت العربية أو الفارسية، وأجد في ذلك الإلهام الذي يوجّه عملي ويمنحه عمقًا ودقّة.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- بالتأكيد لم أندم على ترجمة أيّ نصّ أو كتاب، لأنّ اختياراتي كانت دائمًا نابعة من اهتماماتي الشخصية وميولي الأدبية. ومع ذلك، إذا أُتيحت لي الفرصة لمراجعة أيّ عمل سبق أن ترجمته ونُشر، فلا شكّ أنّني سأقوم بإجراء بعض التعديلات. فمع تراكم المعرفة والخبرة، تتغيّر رؤيتك للنصوص، وتصبح لديك أدوات جديدة لفهمها وتقديمها بشكل أفضل.
■ ما الذي تتمنّينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك مترجِمةً؟
- الترجمة وسيلة فعّالة لتصحيح الصور النمطية عن الآخر وتعزيز السلام بين الشعوب. فهي أداة جوهرية في تحقيق التواصل الثقافي والحضاري، حيث لا تقتصر على تعريفنا بالآخر، بل تمنحنا أيضاً فرصة لفهم أعمق لذاتنا من خلال انعكاس الآخر علينا. إنّ ترجمة الأعمال الأدبية والعلمية والفكرية من العربية وإليها تلعب دورًا محوريًا في تصحيح المفاهيم الخاطئة والصور النمطية التي قد تكون ترسّخت عبر الزمن نتيجة سوء الفهم أو التحيز الثقافي. على سبيل المثال، يمكن للترجمة أن تكون جسرًا يربط بين الشعبين العربي والفارسي، مُتحدّية الصور النمطية التي تشكّلت عبر التاريخ. حلمي أنا المترجمة هو أن أسهم في هذا الجهد الإنساني والثقافي من خلال نقل جمال وروعة الفكر والثقافة العربية إلى الفارسية، والعمل على إظهار الصورة الحقيقية للعرب وثقافتهم. أؤمن أنّ هذه المهمّة ليست مجرّد نقل كلمات من لغة إلى أُخرى، بل هي دعوة إلى التفاهم والتقارب، وخطوة نحو بناء عالم أكثر انسجاماً واحتراماً للتنوّع.
بطاقة
مُترجمة وكاتبة من مواليد الأهواز عام 1980. من ترجماتها عن الفارسية: "قصص المثنوي" لجلال الدین الرومي (2023)، و"أمیرة الشعراء الفارسية" (قید النشر)، وعن العربية: "تغريبة القافر" لزهران القاسمي، و"عصافير تحلّق في الأعماق" لسامح درويش، و"لیل قصیر" لإسحاق العجمي، و"زائرات الخمیس" لبدرية البشر، و"المنظرون" لأباذر الطيب، وكلّها صدرت في 2024. يصدر لها قريباً: "عصافیر لا تحبّ الرصاص" لعدنان الصايغ، و"انعکاس" لشريفة التوبي، و"أمیرة الشعراء العربية". ومن مؤلّفاتها في أدب الأطفال واليافعين: "الخضاري" (2017)، و"ريم مشداخ" (2023)، و"قنطار والأصدقاء" (قيد النشر) باللغتين العربية والفارسية، كما صدر لها كتاب بعنوان "تعليم اللهجة الخليجية" (2023).