مفكرة المترجم: مع فاطمة نعيمي

28 اغسطس 2024
فاطمة نعيمي
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الهاجس الإنساني والأخلاقي في ظل العدوان على غزة**: تعبر المترجمة البحرينية عن قلقها العميق تجاه العدوان على غزة، مشيرة إلى الحزن على الأبرياء والعجز أمام المأساة الإنسانية، وتتساءل عن فعالية دور المجتمع الدولي في ضمان حقوق الفلسطينيين.

- **بداية حكايتها مع الترجمة وتحديات المترجم العربي**: بدأت بدراسة الأدب الإنجليزي وترجمة النصوص الشعرية على مواقع التواصل، وتواجه تحديات لغوية وثقافية مثل التباين اللغوي وضعف التدريب.

- **علاقتها مع الناشر والكاتب وأهمية التحرير**: تعتبر علاقتها مع الناشر علاقة تعاون وتكامل، وتؤكد على أهمية التحرير لضمان الدقة اللغوية، وتسعى لنقل أفكار الكاتب بدقة، وترى أن الجوائز تشجع المترجمين.

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "المُترجم الجيّد مثل الكاتب، يحتاج إلى حسٍّ أدبيّ وقدرةٍ على اختيار الكلمات المناسبة لنقل المعاني بدقة" تقول المترجمة البحرينية لـ" العربي الجديد"


■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- هو هاجس مشترك، يتمحور حول الجوانب الإنسانيّة والأخلاقيّة المتعلّقة بهذه القضيّة التي أصبحت جُرحاً غائراً في كيانِ كلِّ فردٍ لم يتنصّل من إنسانيته بعد. هناك حُزننا الكبير على الأبرياء الذين يتعرّضون للقصف والقتل باستمرار، وعجزنا أمام هذه المأساة الإنسانيّة المَهولة، وغياب العدالة الذي يرسّخ يوماً بعد يوم السؤال المُلحّ عمّا إذا كان السلام الذي يجب أن ينعم به الفلسطينيون ممكناً في ظلّ هذه الأوضاع المتأزمة. أصبح التفكير في مدى فعالية الدور الذي يمكن لـ"لمجتمع الدولي" لعبه في هذه القضية وضمان حقوق الشعب أشبه باللغز المنتظر حلّه. 


■ كيف بدأت حكايتكِ مع الترجمة؟ 

- بدأ الأمر بتخصّصي في دراسة الأدب الإنكليزي، ومن ثم إتقاني للّغة. لطالما كنت شغوفةً بالأدب والشِّعر، ولذا كنت أُترجم نصوصاً شعرية وأنشرها على مواقع التواصل الاجتماعيّ. لاقت هذه الترجمات إعجاباً واسعاً واستحساناً وتشجيعاً لم أتوقّعه، مما جذب انتباه بعض الناشرين الذين تواصلوا معي لطلب ترجمة أعمالٍ كاملة. كانت هذه هي البداية الفعليّة لانطلاقتي في مجال الترجمة والتي دفعتني إلى البحث في هذا المجال ودراسته. كما أنَّ ردود الفعل الإيجابيّة من القرّاء والناشرين شجَّعتني على مواصلة تطوير مهاراتي والحرص على تقديم ترجمات ذات جودة عالية.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟

- آخر عمل لي هو رواية بعنوان "نهاية المطاف" للكاتبة الأيرلندية آن غريفن، صدرت هذا العام عن "دار الرافدين". حالياً أعمل على ترجمة عمل فلسفيّ من عدّة أجزاء، ومن المتوقّع أن يُطبع الجزء الأوّل منه خلال العام القادم.


■ ما هي، في رأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 

- تتوزّع العقبات بين التحديات اللغويّة والثقافيّة والعمليّة. فهناك جانب التباين اللغويّ، خاصّة أنَّ اللغة العربيّة لغة غنيّة ومُعقّدة وتحتوي على مصطلحات وتعابير قد لا نجد لها مقابلاً دقيقاً في الإنكليزيّة. من هنا تبرز أهميّة التدقيق للتوفيق بين ثقافة المَصدر وثقافة المتلقّي من دون فقدان الجوهر والسياق الأدبيّ. هناك أيضاً ضعف التدريب، والحاجة إلى برامج تأهيلٍ تُركّز على تطوير مهارات المُترجم، ليس في ما يتعلق باللغة فحسب، بل إدراك السياقات الثقافيّة، والتعامل مع اللهجات المختلفة والمصطلحات المتخصِّصة والتي تشكل بذاتها تحدياً عند ترجمتها. يتطلّب تجاوز هذه التحديات اجتهاد المُترجم من خلال الاستمرار في التدرّب، بالإضافة إلى تطوير البيئة الداعمة للمترجمين.


■ هناك من يقول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- قد يكونُ هذا القول صحيحاً، لكن لا يمكن اعتباره قاعدة عامة. شخصيّاً أرى التحرير جزءاً حيويّاً في عمليّة الترجمة، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالنصوص المعقّدة أو المتخصِّصة، أُفضّل دائماً أن يمرّ النّص بمرحلة التحرير بواسطة مُحرِّرٍ مُحترفٍ للتأكّد من الدقة اللغوية للمادة. المُحرِّر، باعتباره مُتلقٍّ يَنظر إلى المادة بموضوعيّة وعقليّة مختلفة، قد يساعد في تحسين جودة العمل، ومن ثم الخروج بترجمة متقنة تعكس روح النّص الأصلي. مع ذلك هناك المحرر الذي يسبّب سوء فهمه للمعنى أو ميله إلى الإفراط في التعديل أو حذف جوانب هامة من النص الأصلي ضعف التَّرجمة وجعلها أقل دقة، مما يؤثّر سلباً على فهم المتلقّي للنّص. وعليه، فإنّ دور المحرّر يتطلّب تحقيق التوازن من ناحية الحفاظ على الأمانة اللغوية وتحسين النّص ليكون متماشياً مع أهدافه.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- علاقتي مع الناشر علاقة تعاون وتكامل، فكلانا يَهدف إلى تقديم عملٍ مُترجمٍ ناجحٍ ومُنسجمٍ مع تطلعات القارئ. في ما يتعلّق بمسألة اختيار العناوين، لا بدَّ لي مترجِمةً من تقديم اقتراحاتٍ تُراعي دقّة الترجمة من دون التخلّي عن أصالة النص، وأخذ الفروق الثقافيّة والنفسيّة بين الثقافتين بعين الاعتبار. بالطبع أحياناً يَقترح النّاشر تعديلاتٍ على العنوان المُترجَم؛ وذلك لأهدافٍ تسويقيّة، لكن يبقى مع كل ذلك التّواصل المُستمر والشفاف بين المُترجم والنّاشر هو الضمان الأفضل لاختيار عناوينَ تعكس دقّة النّص وتُحافظ في الوقت ذاته على جاذبيتها التجاريّة.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- لا بدَّ للمترجم أن يكون واعياً للتأثير الذي يُمكن أن تتركه الترجمة على المُتلقّي عند التعامل مع مادة لها أبعادٌ سياسيّة، خاصةً عند وجود تباين ثقافي وسياسي. هدفي الأساسي في حالات كهذه يكون نقل المعنى بدقّة وأمانة، مع الحفاظ على نزاهة النّص الأصلي، بغض النظر عن المواقف السياسية للكاتب. مع ذلك، تستلزم الضرورة أحياناً إجراء تعديلات طفيفة على النص؛ إذا كانت هناك عبارات أو مصطلحات قد تسيء إلى فئةٍ مُعينة أو تُفسَّر بشكلٍ مختلف. التوقف عند طرح سياسيٍّ مُعيّن يَعتمد على طبيعة النّص والهدف من الترجمة. يكون الطرح السياسي أحياناً جزءاً لا يتجزأُ من الرّسالة التي يرغب الكاتب في إيصالها، ومن ثم واجبي هو نقلها بأمانة، وقد أحتاجُ إلى تقديمِ تفسيراتٍ إضافيّة لتعزيز المعنى من دون تحريف المضمون، في حال كان الجمهور مختلفاً جذرياً من حيث التوجّهات السياسية.

فلسطين جرح غائر في كيان كلّ فرد لم يتنصّل من إنسانيته
 

■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟

- هي شراكة إبداعيّة وعلاقة تكامليّة، سواء كان هناك تواصلٌ مباشرٌ بيني وبينه أم لا. فهدف المُترجم في المحصِّلة هو نقل أفكار الكاتب ومشاعره بدقّة إلى لغةٍ وثقافةٍ أُخرى، وإحياء النّص بلغةٍ جديدة. بدايةً بصفتي قارئة، أَحرص بطبعي على قراءة المادة باللغة الأصليّة قبل الشروع في ترجمتها؛ لاستشعارِ روح العَمل والتعرّف على النّقاط أو المفاهيم التي قد تبدو لي مُبهمة أو غامضة، ومن ثمَّ بصفتي مترجمة؛ من أجل الحفاظ على هوية الكاتب وأسلوبه الأدبيّ في اللغة المستهدفة.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- بداخلي علاقة وثيقة بين الكاتب والمُترجم، إذ يشترك كلاهما في عشق اللغة والتعبير عن الأفكار تعبيراً إبداعيّاً، مَعلوم أن المترجم غالباً ما يكونُ كاتباً في الأصل، مما يمنحه قدرة خاصة على فهم النصوص وتلقّيها بعمق، ثم نقلها بطريقة تحفظ جماليتها وروحها الأصلية. المُترجم الجيّد مثل الكاتب، يحتاج إلى حسٍّ أدبيّ وقدرةٍ على اختيار الكلمات المناسبة لنقل المعاني بدقة؛ لأن الكاتب يخلق النص بناءً على رؤيته وأفكاره الخاصة، بينما يسعى المترجم إلى فهم هذه الرؤية وإعادة تشكيلها بلغة أخرى. هذه العملية تتطلب من المترجم أن يكون كاتباً جَيّداً ليتمكن من الحفاظ على الجوهر الفني والفكري للنص الأصلي.


■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- من دون شك تساهم هذه الجوائز في تشجيع المُترجمين على تقديم أعمالٍ ذات جودةٍ عالية؛ ومن ثم الارتقاء بمستوى الترجمة عامةً باعتبارها جسراً للتواصل الثقافيّ والفكريّ بين الشعوب. مع ذلك، وللأسف، تعكس قلّة هذه الجوائز شُحَّ الاهتمام المؤسّسي بالترجمة مقارنةً ببعض المجالات الأخرى، مما يحبط المُترجم ويحدّ من تحفيزه ويساهم في تقليل الاعتراف بمساهماته. لا أنكر أن وجود هذه الجوائز على قلتها تبقى دافعاً للمترجم لتقديم أعمال ذات معايير عالية.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها في رأيك؟

- تفوُّق الترجمة المؤسساتية على تلك الفردية من خلال النشر على نطاق أوسع، وقوة الدعم المالي، واللوجستي، والتنظيمي هو أمر مفروغ منه. هذه المشاريع تتميز بالقدرة على تنفيذ مشروعات طويلة الأمد، وضمان الجودة العالية للأعمال المُترجمة، والتوزيع الواسع لتلك الأعمال وفي أوقات ملائمة، وجميعها جوانب تكون أكثر تعقيداً عندما يتصدى لها فرد واحد. مع ذلك، لا تخلو هذه المؤسسات من بعض التحديات التي تواجه مشاريع الترجمة، كالتوجهات التسويقيّة على حساب جودة الأعمال، أو التعامل غير المُنصِف مع المُترجم باعتباره موظفاً منفِّذاً وليس شريكاً إبداعياً، لذلك تحقيق توازن بين الأهداف التجاريّة والجودة الثقافيّة أمر جوهري هنا.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها بصفتك مترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- أمانة النّقل بالطّبع تأتي في المُقدّمة، مع الالتزام بالسياق العام للمادة من حيث أصالتها وأسلوبها، وعندما يتطلب الموضوع إجراءَ تعديلاتٍ مُعيّنة، أحاول قدر الإمكان إبقاءها طفيفة والحفاظ على ضرورة إيصال المعنى الأصليّ. أحرص كما أسلفتُ على قراءة النص بالكامل قبل البدء، يساعدني هذا في فهم السياق العام للعمل والحرص على الخروج بترجمة دقيقة ومتّسقة. أُفضّل العمل في بيئة هادئة لضمان التركيز وغالباً ما يكون هذا ليلاً، وعلى الرغم من استمتاعي بالعمل، فإن القلق يبقى مصاحباً لي طيلة انشغالي به، ويؤثر في جودة نومي ومزاجي وروتيني اليومي، ومع أنّني أُراجع العمل على الأقل ثلاث مرات قبل تسليمه، لكنّني أشعر في كلِّ مرةٍ أنَّني أراهُ بعيونٍ جديدة.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- لستُ نادمة على ترجمة أيِّ كتاب أو نص، كل تجاربي في الترجمة علمتني الكثير. نعم واجهت نصوصاً أو مواد فيها تحديات أكثر من غيرها، سواء كان ذلك بسبب تعقيد الأسلوب أم التباين الثقافيّ بين اللغتين، لكنَّني أعتبر كل هذه التجارب دروساً وفرصاً ثمينةً للتعلّم. كل نصٍّ صعب يواجهني، يدفعني إلى تطوير مهاراتي وتحسين تقنياتي في الترجمة، وأتعلم من كل تجربة، سواء كانت سهلةً أم معقدة، وهذا ما يجعلني أستمتع بهذا الشغف. 


■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك مترجِمةً؟

- أتمنّى زيادةَ جودة الموادّ المُترجمة إلى العربيّة وتنويعَها وتعزيزَها، وأطمحُ أن يكون هناك دعمٌ أكبر لمشاريع الترجمة، سواء كان هذا من خلال المؤسسات الثقافيّة أم المبادرات الفرديّة؛ لضمان وصول الأعمال المهمة إلى قرّاء العربيّة بجودةٍ ودقةٍ عالية. حلمي مترجِمةً هو أن أتمكن من المساهمة في بناء جسورٍ أقوى بين الثقافات وأن أترك بصمةً واضحةً في هذا المجال، عبر ترجمة أعمالٍ مؤثِّرةٍ تفتح آفاقاً جديدة للقرّاء العرب وتساهم في تحقيق التواصل الثقافيّ الأجمل بين الشعوب.


بطاقة

شاعرة ومترجمة بحرينية من مواليد المحرق عام 1974. حاصلة على البكالوريوس في الأدب الإنكليزي. لها في الترجمة: "كيف غيَّر السكّر العالم، قصة عن السحر التوابل الحرية العبودية العلم" لـ مارينا بودوس ومارك أرونسون (2018)، و"الفتى الذي أَحَب" لـ دور جوي داتّا (2019)، و"الفوهرر: رسائل هتلر ومسوداته" (2019)، و"جامِع الأحلام الأرجوانية" لـ زوران جيفكوفيتش (2019)، و"رسائل سيلفيا بلاث 1940-1963" (2020)، و"نزيلة قاعة وايلدفيل" لـ آن برونته (2022)، و"شَرقي عدن" لـ جون شتاينبك (2022)، و"نهاية المطاف" لـ آن غريفن (2024). لها مجموعة شعريّة واحدة بعنوان "مطاف" (2015).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون