مفكرة المترجم: مع حسين عمر

27 نوفمبر 2020
(حسين عمر)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "دخلت العربية زائراً قسرياً إلى حياتي، فأصبحت وسيلةً لصقل معارفي وثقافتي وتشكّل وعيي، وباتت تشغل مكانة عالية لديّ"، يقول المترجم السوري الكردي لـ "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- بدأت حكايتي مع الترجمة من دون تخطيطٍ مسبق؛ ففي عام 1991 كنتُ طالباً في السنة الرابعة في كليّة الآداب بجامعة حلب، وترجمت كتاباً عن الراحل عبد الرحمن قاسملو، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني-إيران، بعد اغتياله من قبل المخابرات الإيرانية في فيينا (13تموز/ يوليو 1989)، ليصدر الكتاب بعد سنوات عن دار "بافت للطباعة" الكردية في ديريك عام 1998، وهو بعنوان: "عبد الرحمن قاسملو رجل الحوار والسلم". وفي عام 2004، قرأتُ للمفكّر السوري الراحل جورج طرابيشي عرضاً لكتاب "ما بعد الأقليات- بديلٌ عن تكاثر الدول" للباحث جوزيف ياكوب، فحصلتُ عليه وترجمته دون وجود أي اتفاق مع دارٍ للنشر. بعد الانتهاء من ترجمته أرسلته إلى دار "المركز الثقافي العربي"، فنشرته، وكانت تلك فاتحة علاقة عمل ناجحة مع هذه الدار، وما زالت مستمرّة. إذ منذ ذلك العمل الأوّل وحتى الآن، ترجمتُ أكثر من 25 كتاباً لنفس الدار، تنوّعت بين الرواية والأعمال الفكرية والدراسات وأدب السجون.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- انتهيتُ مؤخّراً من ترجمة مذكّرات الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند "دروس السلطة" لصالح "دار المدى"، ورواية "الفراشة" للكاتب هنري شاريير. وكذلك رواية "الطفل والطائر" للكاتب الياباني دوريان سوكيغاوا لـ "المركز الثقافي العربي". والآن أنا على وشك أن أصل إلى خَطّ النهاية في ترجمة رواية "ثاناتونوتس" للفرنسي برنار فيربير.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟

- أعتقد أنّ العقبات التي تعترض سبيل المترجم لا تختلف عن تلك التي يواجهها الكاتب في منطقتنا. وهي تتمثّل بشكلٍ أساسي في قلّة المؤسسات الراعية والداعمة للمنتج الثقافي، وغياب ثقافة القراءة في مجتمعاتنا، وبالتالي قلّة عدد القراء، الأمر الذي يؤثّر على الكاتب والمترجم ودار النشر أيضاً. ومن العقبات الأخرى، شحّة المردود المادي، بحيث لا يستطيع المترجم التفرّغ لمهنته. ويمكنني أن أُشير هنا إلى أنّني كرديّ أترجم إلى العربية، أي أنني أترجم إلى لغة هي ليست لغتي الأمّ، وكنتُ لا أُجيد التحدّث بها قبل الذهاب إلى المدرسة، أعتقد أنّ هذه كانت عقبة وتجاوزتها. فبعد أن دخلت العربية زائراً قسرياً إلى حياتي، أصبحت وسيلةً لصقل معارفي وثقافتي وتشكّل وعيي، وباتت تشغل مكانة عالية لديّ، بحيث لم أعد أشعر بالاغتراب عنها.

أن تكون الترجمة وسيلة للتعارف بين الشعوب المتجاورة

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- على العكس من ذلك، أرى أنّ المحرّر الخبير والكفؤ قد يساهم في سدّ بعض الثغرات في العمل المُترجَم، شريطة ألا يعبث بالروح والخيال المشتركين للكاتب والمُترجم. شخصيّاً، تمرّ جميع الأعمال التي أُترجمها تحت مراجعة شريكة حياتي فدوى درويش (وهي كاتبة ومترجمة، تترجم بين الكردية والعربية، ومن الإنكليزية إلى العربية)، لثقتي بحسّها وذائقتها الأدبيين، وللإشارة إلى الهفوات التي أرتكبها خلال الترجمة. لأقوم بعد ذلك بمراجعة الترجمة مراجعة أخيرة، قبل إرسالها إلى دار النشر، وبالتأكيد من حقّ دار النشر إخضاع الترجمة للمراجعة والتحرير لتلافي أيّ هفوة، وهذا الأمر لا يثير حساسيتي، لأنّ الهدف هو إيصال عمل ناجز وخالٍ من الثغرات إلى القرّاء.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- أعمل مع ثلاث دور للنشر، وهي المركز الثقافي العربي في بيروت، ودار الخان للنشر والتوزيع الكويتية، ومؤسسة المدى العراقية. وعلاقتي معها ممتازة وقائمة على الاحترام المتبادل؛ فهي تحترم كفاءتي كمترجم وأنا أحترم مكانتها في عالم النشر وأحرص على الحفاظ على هذه المكانة والمساهمة في تعزيزها. أمّا بالنسبة إلى اختيار العناوين، فدور النشر هي التي تقوم بذلك عموماً، لأنّها من تتكفّل بشراء حقوق الترجمة وسواها من الإجراءات المطلوبة. ومن العناوين التي اخترتها "ما بعد الأقليات-بديلٌ عن تكاثر الدور" و"تاريخ تركيا المعاصر".

الطبيب الألماني - القسم الثقافي

■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- من حيثُ المبدأ، الترجمة بالنسبة لي مهنة وحاجة معرفية وليست موقفاً سياسياً أو أيديولوجياً. ولكن الترجمة أيضاً رسالة إنسانية وحضارية، وظيفتها بناء جسور التواصل بين ثقافات ومعارف الشعوب. فالترجمة تعمل على التلاقح الثقافي لتقليص المسافة بين الشعوب، وهي وسيلة لقبول الآخر، من خلال معرفتنا بثقافته. من هنا، لا شكّ أنني سوف أمتنع عن ترجمة أعمال تتنافى مضامينها مع القيم التي ذكرتُها؛ أعمال تحثّ على الكراهية والحقد أو تُسيء إلى شعبي وتُلحق الضرر بوطني. وعدا ذلك، لا تهمّني آراء الكاتب السياسية وخياراته حتى إذا كانت تتعارض مع آرائي وخياراتي.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- عموماً ليست لي علاقة مباشرة مع الكاتب. لكن أُقيم أحياناً علاقة غير مباشرة معه، وذلك من خلال الاطّلاع على أعماله الأخرى وقراءة المقالات المكتوبة عنه وعن أعماله، وذلك لأتوصّل إلى فهمٍ أفضل لأسلوبه وطريقة تفكيره. فعلى سبيل المثال، حينما أرسلت إليّ دار نشر (المركز الثقافي العربي) كتاب أمبرتو إيكو "كيفية السفر مع سلمون"، قرأتُ معظم نتاجه المُتَرجَم إلى العربية قبل الشروع في ترجمته.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- إضافة إلى كوني مُترجما، أنا صحافي وكاتب. إذ أعمل صحافياً في شبكة روداو الإخبارية الكردية في أربيل، مديراً لملفّ سورية وغرب كردستان، ومحرّراً للأخبار، ومعدّاً ومقدّماً لبرنامج إذاعي أسبوعي، كما أنني أكتب مقالات رأي، ولديّ مؤلّف باللغة الكردية، ترجمة عنوانه: "نهاية الدولة الممركزة" وقد صدر في عام 2018. أعيشُ، إذا جاز التعبير، حالة من الازدواجية في الشخصية؛ ففي النهار أكون صحافياً، وفي الليل، أكون مترجماً، وبدرجة أقلّ كاتباً.

في النهار أكون صحافياً، وفي الليل أكون مترجماً

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- الجوائز تلعب دوراً هامّاً ليس في مجال الترجمة فحسب، بل في كلّ مجالات الإبداع لأنّها محفّزة على المنافسة وعلى المزيد من العطاء. والمسؤولية في هذا المجال تقع على عاتق دور النشر لتقديم أعمال المترجمين لديها إلى مسابقات الجوائز.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- النشر في المحصّلة هو صناعة تحتاج إلى سوق، ونتاجها كغيره من المنتوجات خاضع لقانون العرض والطلب. وللأسف، أسواق الكتاب في منطقتنا تعاني من كسادٍ مستدام، ويُفاقم هذه المشكلة غياب الدعم الحكومي والأهلي لمؤسسات النشر والترجمة.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- حينما أتلّقى عملاً لترجمته، أقرأ ما هو متوفّر من مقالات حول العمل وكاتبه لتشكيل فكرة عن أسلوبه ورؤيته. ثمّ أعمل وفق ضوابط عمل صارمة؛ وأحرص على أن أنجز يوميّاً مقداراً محدّداً من العمل. أمّا إذا كان مناخي النفسي والذهني سيّئاً، فلا أُترجم لِئَلّا أُسيء الترجمة.

أعمل بجديّة ولا أركن للكسل والاستسهال. فرغم رصيدي من الأعمال المُترجَمة، وهي 35 عملاً من الفرنسية إلى العربية، بالإضافة إلى ترجمة مجموعة شعرية للشاعر الكردي الراحل شيركو بيكس من الكردية إلى العربية لدار العين، القاهرة 2018، ما زلتُ أواصل الترجمة بنفس التلهّف والقلق والرهبة والحرص على الابتعاد عن الاغترار بالنفس عند كلّ عملٍ جديد، كما لو أنني أخوض تجربتي الأولى.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- في الحقيقة، لم أندم على ترجمة أيّ نصّ. ولكن، هناك نصوصٌ أقرب إليّ من سواها. وهنا، أتحوّل إلى قارئ.

لم أتلقّ عملاً سيّئاً للترجمة. ومن جهتي، أحرص على أن أنقل النصّ من ضفّة لغة المصدر إلى ضفّة لغة الهدف دون أن أُفقِد العمل قيمته الأدبية وجماليته ودون أن أقتل روحه، ومن ثمّ أوطّنه في الأرض الجديدة بمنطق وفلسفة اللغة العربية الخاصّين بحيث لا يشعر القارئ بالاغتراب عن النصّ المنقول إلى لغته. وفي هذا السياق، لا أكتفي بتتبّع السرد الروائي والقبض على حبكته، بل وأسعى إلى مجاراة خيال الكاتب ومشاركته فيه. فالخيال عنصرٌ هامّ، وخاصّة في الأعمال الأدبية.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟

- كما قلتُ في إجابة سابقة، الترجمة حاجة معرفية ووسيلة للتعرّف على الآخر وإبداعاته والاعتراف به. ومن هنا، أتمنّى أن تؤدّي الترجمة هذه المهمّة بنجاح وأن تستجلب خلاصة الفكر والإبداع الإنسانيين المعاصرين وتضعه في متناول شعوب منطقتنا. والأهمّ من ذلك أن تكون الترجمة وسيلة للتعارف بين الشعوب المتجاورة في منطقتنا، وقبل ذلك الشعوب والقوميات المتعايشة ضمن البلد الواحد، وأن تساهم الترجمة في بناء لغة التواصل والتعارف بين هذه الشعوب والقوميات لتكون أداة معرفية لترسيخ قيم التنوّع الإنساني والإثراء المعرفي.


بطاقة

كاتب ومترجم وإعلامي سوري من مواليد الحسكة عام 1967، ويُقيم في أربيل. يحمل إجازة في اللغة الفرنسية من جامعة حلب، ويعمل في "شبكة روداو الإعلامية"، كما يكتب مقالات رأي في مواقع عربية وكردية. صدر لهُ باللغة الكردية كتاب "نهاية الدولة الممركزة" (2018). ومن ترجماته: "ما بعد الأقليات- بديلٌ عن تكاثر الدول" (2004) لـ جوزيف ياكوب، و"الحرب الصليبية الأخيرة" (2006) لـ باربرا فيكتور، و"كيفية السفر مع سلمون" (2007) لـ أمبرتو إيكو، و"عربة المجانين" (2007) لـ كارلوس ليسكانو، و"تاريخ تركيا المعاصر" (2009) لـ حميد بوزرسلان، و"وبعد" (2011) لـ غيوم ميسو، و"فتاة في عش الدبابير" (2012) لـ ستيغ لارسن، و"ملذات طوكيو" (2017) لـ دوريان سوكيغاوا، و"الغريبة" (2007) لـ مليكة أوفقير، و"سبعون نافذة متجوّلة" (2018) للشاعر الكردي شيركو بيكس، و"الغضب" (2019) لـ سيرجيو بيزيو، و"الطبيب الألماني" (2019) لـ لوسيا بوينزو، و"شقّة في باريس" (2020) لـ غيوم ميسو.

 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون