- يرى المبدع أن الكتابة تمثل فعل مقاومة وبقاء، مستشهدًا بمحمود درويش للتأكيد على دور الإبداع في مواجهة الظروف القاسية وتوفير العزاء.
- يعبر عن أمله في عالم يسوده العدل والسلام، مؤكدًا على تضامنه مع أهل غزة وأهمية الصمود والمقاومة، معبرًا عن قوة الروح الإنسانية.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- الهاجس الوحيد الذي يشغلني في هذه الأيام هو ما يجري في غزّة. منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لم أعُد أتابع أيّة برامج. قبل هذا التاريخ، كنت أحياناً أُشاهد مباريات رياضية بخاصة دوري أبطال أوروبا. في هذا العام، لا رغبة في هذا على الإطلاق. لقد انقطعت عن العالَم وانحصر عالمي كلّه في غزّة وفي مستقبلنا على أرض فلسطين.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- قبل بدء العدوان كنت أُسافر إلى بعض مدن الضفّة الغربية، كرام الله والقدس وبيت لحم، لزيارة أو للمشاركة في مؤتمر أو ندوة أدبية. كنت أقرأ الكتب لأكتب عن جديدها. هذا كلّه تبخّر، فلم أعُد أسافر ولم أقرأ إلّا كتابين اثنين، وسافرت إلى مسقط للمشاركة في ندوة بمعرض الكتاب للحديث عن العدوان والتهجير في الرواية الفلسطينية.
انحصر عالمي كلّه في غزّة وفي مستقبلنا على أرض فلسطين
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- غالباً ما يُثار هذا السؤال في أثناء الحرب. هل من جدوى للكتابة؟ وتختلف الإجابات، ونحن نجد أنفسنا نكتب لأن فعل الكتابة هو الفعل الوحيد الذي نقوى عليه. نكتب لا لنغير الواقع، وإنما لنستمرّ في الحياة فننقذ أنفسنا من الوقوع في هوّة سحيقة من اليأس والإحباط. ببساطة، لكي نُقنع أنفسنا أن بإمكانها فعل شيء ولو كانت جدواه ضئيلة. "لم أجد جدوى من الكلمات إلّا رغبة الكلمات في تغيير صاحبها"، كتب محمود درويش.
■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- لا أملك إجابة يقينية، ولكنّي لست نادماً على اختيار الإبداع طريقاً. أحيانا أكرّر سطر محمود درويش: "إذا كان لي أن أُعيد البداية: أختار ما اخترت": ورد السياج"، علماً أن الطريق قد تُؤدّي إلى قُرطبة وقد لا تؤدّي إليها.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- لا أنتظر تغييراً يُؤدّي إلى عالم أفضل سعيتُ من أجله ثم خبتُ كما خاب من سبقوني. في العام 1997، تتبّعتُ أدب المقاومة الفلسطينية ولاحظتُ أنه بدأ متفائلاً وانتهى خائباً، ولذلك اخترتُ لكتابي عنوان "أدب المقاومة: من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات". أتمنّى بالتأكيد أن تسود العدالة وتنتهي الحروب وتتقبّل الشعوب بعضها وتعيش معاً في واقع يخلو من القسوة والاستغلال والفوقية والجشع الرأسمالي. أتمنّى أيضاً أن تجدَ القضية الفلسطينية حلّاً ما يُمكّن اللّاجئين الفلسطينيّين من العودة إلى بلدهم.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
- كنتُ أتمنّى لقاء الشاعر الفلسطيني معين بسيسو صاحب "دفاتر فلسطينية"، و"يوميّات المقاومة في غزّة"، وأسأله: أما زلت يا أبا التوفيق متفائلاً؟ هل ستتظاهر وتهتف في شوارع غزّة: لا توطين ولا إسكان يا عُملاء الأميركان!
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
- ما أودّ قوله هو ما أكتبه، وحتى قبل 7 أكتوبر كنت دائماً أعقّب على كتابات كُتّاب غزّة: كان الله في عونكم وفي عوننا في الضفّة الغربية. أتمنّى أن تصمدوا فالمنفى لا يقلّ قسوة عما تعيشون. ليكُن شعاركم: "بوركت الحياة فوق الأرض لا تحت الطغاة". ظلّوا أنّى أنتم!
■ كلمة تقولها إلى الإنسان العربي في كلّ مكان؟
- نحن في النهاية شعب واحد، والآخرون غُزاة، ولا تتأمّلوا مُنهم خيراً. إنهم يرون في بلادكم ثروة ينظرون إليها يريدونها وأنتم لستُم في نظر الغرب إلّا بئر نفط وجمَل وخيمة.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
- يا عزيزتي دارين رحم الله أهلك، ولتكُن أيّامك القادمة أقلّ قسوة، وأهل غزّة وأهل فلسطين هُم أهلك. قبل عقدين من الزمن، فقدت الفتاة الغزّية هدى أبوغالية، وهي على شاطئ البحر، أهلها كلّهم وبقيت هي والحياة لها لم تنته. ثمّة حِكمة ما أحياناً وراء ما يحدث معنا قد نبصرها متأخّرين. ولنكن كندِيدِيِّين فـ "منيح اللي صار هيك ما صار الأسوأ".
بطاقة
كاتب وناقد وأكاديمي فلسطيني من مواليد مخيّم عسكر في نابلس عام 1954، ويقيم فيها. صدرت له كتب عديدة، منها: "الأدب الفلسطيني والأدب الصهيوني" (1993)، و"أسئلة الرواية العربية: 'أولاد الغيتو - اسمي آدم' نموذجاً" (2017)، و"الفلسطيني في الرواية العربية" (2022)، و"اليهود في الرواية العربية: جدل الذات والآخَر"،، وآخر كتبه صدر في القاهرة هذا العام تحت عنوان "غزة تحت الإبادة الجماعية: حكايات عن الذين لم يغادروا" بالاشتراك مع الروائي زياد عبد الفتاح. كما يكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة "الأيام" الفلسطينية.