مع غزّة: زينب محمد عبد الحميد

08 مارس 2024
زينب محمد عبد الحميد (تصوير: محمد الكاشف)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة، وكيف أثّر في إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "جدُ كلّ مقاوم مُبدعاً خرّق قانون الإذعان"، تقول الناقدة والمترجمة المصرية في حديثها إلى "العربي الجديد".



ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- تشغلني مشاعر طفلٍ لم يزل على قيد الحياة، وقد تعلّقت عينه بصور الدم، ثم حمَل جسدُه شهادات غياب الإنسانية عن هذا العالم. أنشغل بعقله الذي يستدعي ذكرى مذاق طعام بشري بسيط؛ رائحة خبز وشربة ماء، وأنشغل بأنامله التي ربّما لم يفقدها، لكنّها تجمّدت برداً فدفّأها مع إخوته.


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- من الصعب الحديث عن الإبداع؛ إذ تطغى الأحداث المؤسفة على قدرة الإنسان على استدعاء أيّ شيء يتجاوز الموقف الراهن. أمّا الحياة اليومية فإنّني لم أزل أعيشها مع شعور جارف بالعجز وقلّة الحيلة والخجل والصدمة؛ خليط يتعمّق مع كلّ إنسان تُزهق روحه في وحشيّة نكراء.


إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- دعني أتصوّر سؤالاً ربما تكمن فيه إجابة عن هذا التساؤل: هل استطاع أيّ عمل إبداعي مواجهة حركات الإبادة في أي عصر من العصور؟ صحيح أنّنا نرصد عدداً لا بأس به من الأعمال الإبداعية التي تهجو الحروب وتبعاتها وتدين الاستعمار وتنتصر للحقّ، إلّا أنّها لا تستطيع، حتى هذه اللحظة، ردع توجّه مدعوم من قوى عالمية مهيمنة على المشهد العام. بالتأكيد ستتوالد مشاعر إبداعية وتجلّيات فنّية كثيرة لاحقة تدين الظلم وتنتصر للحق، لكنها ستكون "تحصيل حاصل" تأريخاً وتأمّلاً، في لحظة تاريخية منصرمة، راح ضحية عبثها آلاف الأرواح دون أن يقدّم لها أيّ عمل إبداعي/ إنساني فائت دعماً يسمح بعدم تكراره.

أخجل أن أدلي برأي في أناس رأوا ما هو أشدّ من الموت


لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- أتصوّر أنه من الصعب أن يتنازل المبدع عن وجوده ضمن هذه الجماعة، لكنّه بالتأكيد يستطيع أن يجمع بين الإبداع وعدد من الممارسات الوظيفية الأُخرى، وبصورةٍ شخصية فقد عملتُ بالتدريس سنوات عدّة، بما أعدّه نضالاً يسعى إلى بناء الإنسان، فربما كنتُ لأطوّر وظيفتي لتغدو قادرة على محو وحشية هذا العالم وخلق مفاهيم أكثر إنسانية وأرحب عدلاً.


ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- التغيير الذي أنتظره ينتظره ملايين غيري؛ وهو سيادة الأمان وردّ الحقوق إلى أصحابها.


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟

- كلّ إنسان قاوم الظلم أعرفه ولا أعرفه، أبصره العالم أو لم يبصره؛ يستحقّ أن نوقّره، وأن نحاول أن نخلق من العالم الآن موقفاً يليق بما ضحّى به في سبيل الانتصار للحقّ. أجدُ كلّ مقاوم مُبدعاً خرّق قانون الإذعان وأبدع حين لم يبخل بروحه أمام مطالبه. وربما يعجز اللسان عن قول كلمة لهؤلاء المبدعين المعروف منهم والمجهول؛ فقد كان الأحقّ بهم أن ينتصر العالم لموقفهم، فلا تنتكس الإنسانية بعد أرواحهم مرّات.

التغيير الذي أنتظره هو سيادة الأمان وردّ الحقوق إلى أصحابها


كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- كان من اليسير على الألسن منذ زمنٍ أن نقول "اصمدوا"، إذ إننا توارثنا تشجيعاً على مقاومة الظلم والعدوان، أمّا الآن وقد أبصرتُ الفواجع، فإنّني أخجل أن أدلي بنصيحة أو كلمة أو رأي في أناس رأوا ما هو أشدّ من الموت، وأهلك من العذاب.


كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".


حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- إذا كان لطفلٍ أن يحيا ويرى ما لم تره ولم تعشه؛ فإنك لن تستطيع سوى أن تقدّسه دون أن تجرؤ عينك على النظر إليه. ربما سينتابني بكاءٌ طويل دون أن أستطيع توجيه كلمة إلى أيّ طفل واجه من العذابات ما يفوق أنفاسه الصغيرة. سأكتفي لدارين بعناق طويل وغصّة تحول دون أيّ حديث.



بطاقة

ناقدة ومترجمة مصرية، من مؤلّفاتها: "التصوّف في الرواية المصرية المعاصرة" (2018)، وروايتا "في مقام العشق" (2013) و"العالم على جسدي" (2014)، وكلاهما بالاشتراك مع الكاتب يوسف نبيل. ومن ترجماتها: "رسالة من بكين" (2023) لـ بيرل باك، و"قصّة الولد الصغير الشقيّ" (2016) لـ مارك توين، و"جوزيف فوشيه: سيرة سياسي" (2020) و"معجزات الحياة وقصص أُخرى" (2021) لـ شتيفان زفايغ، و"ديفيد كوبرفيلد" (2022) لـ تشارلز ديكنز.

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون