- يرى الخميسي العمل الإبداعي كنضال سياسي، معبرًا عن أمله في عالم يسوده العدل والتفاهم، ويدعو للقضاء على الأطماع البشرية.
- يعبر عن تضامنه مع أهل غزة ويحث العرب على دعم القضية الفلسطينية، مشاركًا تجربته مع شخصيات مقاومة وموجهًا رسالة دعم لأطفال فلسطين.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "لا يوجد أدب بعيداً عن قضايا وهموم الناس، أي لا يُوجد أدب بعيداً عن السياسة" يقول القاص المصريّ أحمد الخميسي في حديثه لـ"العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
في بدء العدوان البربري على الشعب الفلسطيني في غزّة شدّتني بقوّة مشاهد الشهداء والأطفال والجرحى، وصُور البطولة الفذّة، لكن مع استمرار العُدوان في ظلّ صمتٍ عربيّ ودوليّ يتقنّع بعبارات الإدانة من دون خُطوة فعليّة، راح ذلك الصمت المُرعب يستولي عليّ، كيف للضمير أن يهرب إلى كهوف السلبيّة والصمت؟ وأتذكّر قول شاعرنا صلاح جاهين: "ما أستعجبش من اللي يطيق بجسمه العذاب... وأستعجب من اللي يطيق يعذّب أخوه". كيف تتحمّل الضمائر ذلك المشهد؟
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
أشاع العدوان حالة اكتئاب في حياتي اليومية مثل معظم الناس، وأصبح أول ما أقوم به في الصباح البحث عن آخر أخبار غزّة في الإذاعات، وصور البطولة النادرة المثال، والأطفال الذين يرقصون ويُنشدون للوطن بين الأنقاض، ويَثبون إلى الحياة كلّ لحظة تحت القصف وبين جُدران البيوت التي هُدّمت.
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
العمل الإبداعي ليس مُمكناً فقط في مواجهة الحروب العُدوانية بل ضروري، إنّه لا يتوقّف مثل التنفّس، وهو فعّال بدون شكّ، لكنه مثل كلّ إبداع أدبي يسري ببطء إلى نفوس الناس ووعيهم، وأظنّ أنّ الأدب بأشكاله المختلفة من قصص وقصائد ومقالات قد ساهم في خلق الوعي بقضيّة الشعب الفلسطيني لدى الشعوب الأوروبية والعالَم أجمع، وقد يكون الأدب أضعف صوتاً، لكنه الأبعد والأعمق أثراً.
كيف لشعب أعزل أن ينشُر كلّ مشاعر الوحدة هذه في العالَم؟
■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
في واقع الأمر، فإنّ العمل الإبداعي هو عمل سياسي ونضالي، ولا يوجد أدب بعيداً عن قضايا وهموم الناس، أي لا يُوجد أدب بعيداً عن السياسة، وما زلتُ أذكُر من طفولتي عبارة مكسيم غوركي: "جئتُ إلى هذا العالَم لأختلف معه". الأدب بطبيعته هو كما قال كافكا: "أن تهجر معسكر القتلة"، أي أن تقف هناك حيث قضايا الناس، وربّما لو قُيّض لي أن أبدأ من جديد لاخترت المزيد من التركيز على الأدب بصفته نافذة خاصة على العمل الاجتماعي.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
أتمنى شيئاً واحداً، أن تكفّ البشرية عن حماقاتها وأطماعها، وأن تُدرك أننا جميعاً أبناء الكُرة الأرضية، المهدّدة بالتغيّرات المناخية الحادّة، وأن تستأصل من الفكر والشعور مبدأ الرِّبحية، ورفاهية الذات، أن تشعر البشرية في نهاية الأمر أننا جميعاً في قارب واحد مهما تعدّدت لغاتنا وثقافاتنا وأعراقنا.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
كنت أودّ لقاء عبد الله النديم، المصري ابن البلد، الذي لم يُلق سلاحه حينما هُزمت ثورة أحمد عرابي في مصر، وظلَّ يُقاوم حتى النهاية. ولقد أتاحت لي المُصادفة البحتة ذات يوم أن ألتقي بغيفارا في "منظّمة التضامن الآسيوي الأفريقي"، لكنّه لم يكن قد أمسى بعد تلك الأسطورة، الآن أندم أنني حينذاك لم أتحدّث إليه طويلاً.
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
أقول للناس في غزّة إننا نُقبّل الأرض التي تمشون عليها، والهواء المُشبع برائحة البارود، وإنّنا نتعلّم من صمودكم ويتعلّم العالَم أجمع كيف يُمكن لشعب أعزل ووحيد أن ينشُر كلّ مشاعر الوحدة تلك في نفوس العالَم، لقد عشقنا فلسطين منذ الطفولة وسوف نواصل تلك المحبّة المتجذّرة في أرواحنا.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
الإنسان العربي مظلوم، لأنه واقع تحت سنابك أنظمة حُكم تفرض عليه الصمت، وتنحّيه بقوّة سيارات الشرطة وهراواتها عن أيّ تضامن. ماذا أقول له؟ حاول أن تعبر عمّا يمور في داخلك من مشاعر التضامن مع غزّة والشعب الفلسطيني، حاول قدر استطاعتك.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
لو أنّ كلماتي ستصل إلى دارين البياع لقلتُ لها إنّ قلوبنا كلّها مفتوحة لك، وأنتِ فيها، وسوف تبقين هُناك إلى الأبد، حينما لن يعود لنا وجود، وحينما ينتفي الظُّلم، وحين يعمُّ العدل، ستبقين هناك، مثل زهرة لا تذبل أبداً.
بطاقة
قاص وكاتب صحافي من مواليد القاهرة 1948. حاصل على دكتوراه في الأدب واللغة من "جامعة موسكو"، صدرت له ستّ مجموعات قصصية: "قطعة ليل" (2004)، و"كناري" (2010)، و"رأس الديك الأحمر" (2012)، و"الأجيال الثلاثة" (بالاشتراك مع آنا وعبد الرحمن الخميسي، 2015)، و"أنا وأنت" (2017)، و"ليل بلا قمر" (2017). كما صدرت له ترجمات عن الروسية، من بينها: "معجم المصطلحات الأدبية" (1984)، و"كان بكاؤك في الحُلم مريراً" (قصص مختارة مترجمة عن الروسية، 1985)، و"رائحة الخبز" (قصص مختارة مترجمة عن الروسية، 1985)، و"نجيب محفوظ في مرايا الاستشراق" (ترجمة وإعداد، 1989). يكتب بشكل دوري في الصحف المصرية والعربية.