استمع إلى الملخص
- في ظل هذه الظروف، تراجعت روح التضامن والمقاومة، وأصبح الشعب الفلسطيني يعاني من آثار الليبرالية المتوحشة، مما أدى إلى فقدان الكثير من الأرواح والممتلكات، لكنهم يواصلون التضحية من أجل الوطن.
- رغم الصعوبات، تبقى فلسطين في القلب، رمزاً للصمود والتحدي، حيث تنبت وردة التحرير بين الصخور، داعيةً إلى الصبر والمثابرة لتحقيق الحرية والاستقلال.
الدروس الأُولى من هذه المجزرة المستعِرة: أوسلو كانت بمثابة فخّ الموت لشعب وقضيّة. لولا أوسلو، لما وصلت أجمل مدن الله إلى مرتبة مدن الركام، ولما تحوّلنا من أبناء الحياة إلى جثث تحلّلت تحت الردم، سنةً وتزيد.
الفلسطيني الشائع بعد أوسلو، قصُرت قامتُه، وتراخى عزمُه، فتقزّم، وغدا السائر يخبّ مغموراً إلى وسطه في الوحل والطين. رجُلٌ يسير عبر الطين وحالُهُ حالة، هل تنتظر منه أكثر من هذا المبدأ العلائقي: إن راتبي، غالبي؟ هل تنتظر منه إلّا أن يتبرجز، مربوطاً من رقبته في أنشوطة أقاريض البنوك، من أجل السيارة والشقّة والأثاث ومدارس الأولاد؟
والله لو طلبتَ منه أن يُعينك في حمل بضعة أكياس، لتأسّف: "معلش، تعبان". أوسلو جعلت من نصف الشعب مجموعة تعبانين. ليبرالية رأس المال المتوحّش، ما قبل فيّاض وما بعده، جابت أجَل الناس، حدّ أنّ "المثقّفين" منهم كلّوا حتى عن توثيق الكارثة بالحبر، وأشاحوا عن جهود التنظيف التي يقوم بها جيران ومتطوّعون. يا له أوسلو من زمنٍ خديج بين ضفّتَي الوهم والعار!
وفي أوقات مثل هذه التي يعيشها الآن هؤلاء الفقراء تحت سماء الساحل الجنوبي من البلاد، قد يصفن الواحد بحثاً عن حلّ، فلا يجد سوى رطوبة الحيطان والسقوف. لا غرو أنّ مظاهر عدم الولاء لأوسلو التي تتماشى بأريحية مع الخداع والتضليل، لها أكلاف. وها هي الأكلاف والله، ندفعها راضين بقدرنا، وراغبين في المزيد مما قدّمَ الطوفان. راحت حيوات وأعمار وأطفال وأقارب وجيران تحت الردم وفوق الردم؟ فدى البلاد.
راح البيت؟ فدى البلاد.
راحت مكتبة العمر؟ فدى البلاد. ويا جمل المحامل، حضّر نفسك لمزيد من الأحمال، حتى يعود الشيء إلى أصله، أو نرتقي، بدل عيشة المذلة هذي، في المناطق المجهدة.
ها هي وردة التحرير تنبت بين شقوق الصخور والبلاطات
فلسطين في القلب، كما هو الدم في القلب، فلأيّ جهة تحرفون البوصلات؟ فلسطين في القلب، وفي وسط الخراب، وهي لحظة التضامن والشجاعة في مواجهةِ صليبيةِ حروب البيض، فاستمسكوا بما لديكم، وليكن ما يكون. لا درب غير هذا الدرب، إن فتحنا الأفواه من أجل كلام عن الحريّة.
أيّها الساعون إلى غدهم، من بين رماد المخيّمات، ومن رعب الأرواح المفقودة: ها هي وردة التحرير تنبت بين شقوق الصخور والبلاطات، كما الشمس تنبثق من نديّ الأفق، معجزة وأيّ معجزة. اصبروا وصابروا إن هي إلّا أعمار عضّ الأصابع، والقبض على الجمرات، والخير يأتي من باطن الشرّ، كما كانت سنن الكفاح، وكما ستكون.
تعبنا لتكون لنا حياة، ولا مناص، حتى لو جُنّ الأميركي وبقيّة البيض التابعين. لن نكون بيدقاً في رقعة الشطرنج الجيوسياسية، كما كيانات الجوار.
مستقبلنا يعتمد على دمنا فقط، مع عدم فارغ الصبر، والله المستعان. راهننا الآن في الجحيم، وغداً في المطهر، وبعد غدٍ في خير تحرير أو مقام، والله المستعان.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا