"معجم الدوحة".. دراسة مسحية لربع مليون كتاب عربي في القرن العشرين

13 يونيو 2023
حكيم غزالي/ المغرب
+ الخط -

قال عز الدين البوشيخي، المدير التنفيذي لـ"معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، إن مشروع المُعجم أجرى دراسة مَسْحية لإصدارات العرب في القرن العشرين، رصَد فيها 250 ألف عنوان، مع تخمين القائمين على المعجم بأنّ الحصيلة هي ضُعف هذا الرقم بما يُناهز 500 ألف عنوان.

جاء ذلك في الندوة التعريفية التي أقامتها وزارة الثقافة القطرية، أول من أمس الأحد، واستضافت إلى جانب البوشيخي حسين الزِّراعي، رئيس "وحدة الإعلام والعلاقات العامة" في المعجم، وأدي ولد آدب، الخبير اللغوي.

وبعد تغطيته القرون العشرة الأولى، انفتح المعجم اليوم على العشرة اللاحقة، وقال البوشيخي إن المشروع يتولّى منذ سنوات بناء ببليوغرافيا لهذه الحقبة من القرن 500 هجرية إلى اليوم.

وأمام 250 ألف عنوان أو ضُعف هذا العدد كما يُتوقّع، قال إن المعجم وضع فهرساً موثّقاً توثيقاً ببليوغرافياً والتحدّي الماثل هو "كيف نستطيع جمع هذا العدد الضخم وتحويله إلى نُسخ رقمية، وإدخالها في مدونة ضخمة قابلة للبحث والاسترجاع، واكتشاف المعاني والمباني المبثوثة في نصوص القرن العشرين".


نهضة لغوية

ووصف المدير التنفيذي المعجم بأنه مشروع كبير يؤسّس لنهضة لغوية ثقافية عربية، مضطلعاً بجَمْع الكلمات جَمعاً واحداً من أقدم استعمالاتها المدوّنة في النصوص المكتوبة، راصداً عادة الاستعمال للكلمة العربية بنصوصها ونقوشها إلى اليوم، مبيّناً أنّ رصد الكلمات هو النافذة الحقّة التي يمكن عبرها الإطلال على الفِكر وكيفية تمثّله الواقع وتفاعُله معه.

يتحدّث هنا عن رَصْد الكلمة في بُنيتها ودلالتها وكيفية ظهورها في النصوص من الناحية الاشتقاقية، واشتقاق الأسماء منها، أو ظهور الأسماء في بعض المقولات ثمّ اشتقاق الأفعال منها، وما أنواع الاشتقاقات؟ وهل لبّت حاجة المتكلّم وكيف استفاد من ذلك؟

فمن خلاله يوضّح البوشيخي أننا نستطيع بيان الطريقة التي تطوّر فيها الفكر العربي عن طريق اللغة، وذلك من جهة العلوم والمعارف وكيف عكست اللغة العلوم في مفاهيمها وأنساقها العامة، وكيف عبّرت عنها، كمعرفة العلاقة الوطيدة بين علم الكلام والفلسفة والتصوّف، على سبيل المثال، ومعرفة المصطلحات التي ظهرت في بعض العلوم وكيف ظهرت وكيف انتقلت من علم إلى آخر، وهل حافظت على مفاهيمها الأولى أم غيّرت هذه المفاهيم؟

وبما أنه معجم ليس كبقية المعاجم التي ترصد ألفاظاً مكتفية بتقديم تعريفات لها، قال إنه قاعدة بيانات تتضمّن اللغة، والثقافة، والفكر، والحضارة، والتاريخ، ويُمكن استثمار هذه القاعدة في تطوير أساليبنا واستثمارها في مجالات التعليم والكتابة العِلمية وسواها من أنماط الكتابة.

أكثر من ذلك، تناول البوشيخي ما يمكن اعتباره "معجم المعاجم" من خلال معاجم قطاعية، إذ تتيح هذه الإمكانية التاريخية الواسعة إنشاء معاجم تعليمية وثقافية، وكذلك في الفلسفة والفيزياء والإعلام والجغرافيا وغيرها، ما يُتيح مجالاً أمام الباحثين لإعادة النظر في الافتراضات التي أقاموها في مجالات المعرفة، بما يدعمها أو يعدلها.

ومن الأشياء التي استطاع أن ينجزها المعجم إضافة إلى البوّابة الإلكترونية www.dohadictionary.org المدوّنة اللغوية، واصفاً إياها بالنوعية، لأنها تجمع نصوصاً من أقدم ما سجّله وثّبته المعجم، وصولاً إلى النصوص المعاصرة، كما أنها موثّقة ومُهيكلة ومُوَسَّمة وقابلة لأن تُستثمر في حقول معرفية من الجانبين الحوسبي والبحثي.

وخلُص في النهاية إلى لافتة تتصدّر المعجم في البوّابة الإلكترونية، تفيد بأنه في تحديث مستمرّ. فالمعجم لا يدّعي أنه يؤرّخ تأريخاً نهائياً لظُهور هذا اللفظ أو ذاك، بل يؤرّخ بحسب ظهورها في النصوص، وإذا ما ظهر تحديث يُغيّر المعلومة فإنّ المعجم لا يتردّد في التعديل.


عمق إيتمولوجي

وقال حسين الزراعي إن المعاجم القديمة كانت تقوم على الجمع، وتقدّمت في منهجيتها قليلاً فأضافت الترتيب لكنّها لم تتجاوز مفهوم الجَمع.

ومضى يقول إن من مهام "معجم الدوحة التاريخي" جمع المادة رأسياً، لكنّ هدفه تنظيم المادّة العِلمية تنظيماً تاريخياً، داخلاً في العُمق الإيتمولوجي (التأثيل)، ورابطاً إيّاها بالأنظمة الساميّة والحضارات الأُخرى المجاورة، "وهذا غير موجود في أي معجم سابق، وهي السمة التي تجعل منه تراثاً عالمياً".

وساق الزراعي جملة من الأمثلة بغية مقاربة النشاط الدلالي والثقافي الذي تحرّكت فيه الكلمة، قائلاً إنّ المعجم يقدّم خدمة وضع المعنى الذي اجتهد فيه المفسّرون والشرّاح قديماً، والمعنى الذي اجتهد فيه معجم الدوحة عبر تتبُّع مئات وأحياناً آلاف السياقات لاستنباطه، على أنّ هناك خياراً ثالثاً بحسبه، وهو الخيار الحرّ الذي رآه مزيّة للمعجم، إذ يترك لزائر البوّابة أن يقرأ ويستنبط بنفسه الدلالة التي تعجبه.

وإذا كان عنوان المعجم هو التاريخ، فإن أدي ولد آدب، الخبير اللغوي، يضع فارقاً مهمّاً، فالتاريخ قد يصرف الذهن إلى الأوراق والجذاذات والكتب العتيقة، لكنّ الملمح الأساسي للمعجم هو الحوسبة التي يقوم عليها.

وبيّن هنا أن الذكاء الاصطناعي "أخذ بيد التاريخ السحيق ليوصله إلينا على طبق من ذهب عبر الأزرار، بحيث أصبحت الصناعة المعجمية المركّبة متاحة، لكلٍّ أن يتناولها في أيّ وقت، عبر هاتف محمول صغير، بل ويوظّفها في بحثه في شتى المجالات".

المساهمون