معاذ لافي: الاستشراق المعماري وعودة إلى القرن التاسع عشر

10 نوفمبر 2020
من رسومات فرانز شمورانز، المصدر: معاذ لافي
+ الخط -

حين نتحدث عن الاستشراق المعماري، يخطر لنا أن الأمر متعلق بمسألة صورة الشرق في المتخيل الغربي، لكن الباحث المصري معاذ لافي، المتخصّص في دراسة الآثار الإسلامية، يرى أن الأمر ليس كذلك، يوضح في حديث لـ "العربي الجديد"، أنه يفصل دائماً "ما بين الاستشراق المعماري والاستشراق كمفهوم عام، فمن وجهة نظري فإنه ينفصل تماماً بوصفه عملاً أكاديمياً لا يمت لنظرة الغرب إلينا"، لكنه يضيف أن هناك عدة أنماط من الاستشراق المعماري ومنها النمط الفني.


إسقاطات المخيلة الفنية

يقول لافي: "الاستشراق المعماري الفني يعتمد بشكل أساسي على اللوحات التي ترسم الآثار الموجودة في القاهرة، والهدف منه عرض حالة الشارع القاهري أو الشرقي من خلال حركة الناس مختلطة بالعمائر الشرقية، فهو لا يهدف إلى توثيق العمل الأثري نفسه، لذلك في هذا النمط ثمة اختلاط بين مسجد مثلاً وعناصر معمارية ثانية من مخيلته، وهي لا تمت للأثر الأصلي بأي صلة".

ويكمل: "هذا النمط، الاستشراق المعماري الفني، يعتمد في كثير منه على نظرة المستشرق إلى الشرق، وهذا يظهر في شكل المدينة وأوجه الناس وملامحهم وملابسهم في الشارع، خاصة إذا لم يزر الفنان الشرق أساساً، لأن من المعروف أن الرسامين في هذا النمط يعتمدون على رسومات مستشرقين آخرين وعلى كتاباتهم أيضاً، فبالتالي أرى ضرورة تقسيم هذا النمط على حسب المستشرق وزيارته للشرق ورسم العمائر والشارع مباشرة وتأثره فكرياً بما قرأ سابقاً، أم أنه مستشرق يستدعي كل ما هو شائع ونمطي في المخيلة الغربية عن الشرق".

من رسومات فرانز شمورانز، المصدر:معاذ لافي
من رسومات فرانز شمورانز، المصدر:معاذ لافي


استشراق توثيقي

وإلى جانب النمط الفني من الاستشراق المعماري، فهناك بحسب لافي نمطان آخران؛ هما كما يبين لـ "العربي الجديد" الاستشراق المعماري التوثيقي و"هذا قد يكون تابعاً لمؤسسة أو بجهد خاص وهذا من أكثر الأعمال إخلاصاً للأثر في عملية التوثيق ومثال عليه جول برغوان وبريس دافين المعماريان الفرنسيان اللذان عملا على عمارة القاهرة، أما النمط الثالث والأخير فهو الاستشراق المعماري الخاص، وهو لمعماريين كانوا يعملون على رسم العمائر القاهرية لإعادة استخدام عناصرها الفنية مرة أخرى في أعمالهم الخاصة، أي أنهم يرسمون ليس لهدف فني ولا توثيقي بل لاستخدام هذه النماذج في تصاميمهم المعمارية لاحقاً في مصر وخارجها".

ينظم لافي، بمبادرة شخصية منه، مجموعة من المحاضرات حول الاستشراق المعماري، وفي كل محاضرة يتناول تجربة محددة في "النادي اليوناني" في القاهرة، يقول: "بداية اهتمامي بالاستشراق المعماري نابعة من دراستي للآثار المعمارية نفسها في القاهرة، لأن الفهم الكامل للآثار القاهرية والمملوكية في القاهرة بشكل خاص، لن يكتمل إلا بدراسة الاستشراق المعماري، وبدراسة نظرة المعماريين الأجانب إلى العمارة القاهرية، لأنهم بنوا نظرتهم بناء على تحليل مختلف اعتمدوا فيه على معرفة كبيرة ما زالت غير متاحة لنا اليوم، في القرن الواحد والعشرين".

من رسومات فرانز شمورانز، المصدر:معاذ لافي
من رسومات فرانز شمورانز، المصدر:معاذ لافي


القاهرة في فيينا

كانت المحاضرة الأولى حول المعماري التشيكي فرانز شمورانز (1845-1892) Franz Schmoranz ، يقول لافي "هو ابن لمعماري ومرمم شهير كان يرمم الكنائس في شرق بوهيميا، وقد بدأ حياته كمعماري يتدرب عند والده إلى أن سافر إلى القاهرة عام 1868 تحت ظل كارل فوندبيتش وهو كان يعمل على الزخرفة الداخلية لقصر الجزيرة للخديوي إسماعيل (اليوم هو فندق الماريوت في الزمالك)، وأثناء وجوده في القاهرة بدأ يعمل على سكتشات ولوحات لإعادة استخدامها في أعماله بعد ذلك وكان يرافقه أيضاً مصوّر يلتقط الصور لبعض معالم القاهرة، واهتم بشكل خاص في رسم الطراز المملوكي، وهو أبرز طراز معماري في المدينة. صمم شمورانز أيضاً قصر قناة السويس لكنه الآن لم يعد موجوداً، لكن أبرز أعماله كان في فيينا وهو الجناح المصري في المعرض العالمي فيها بعد أن أوكل إليه الخديوي إسماعيل هذه المهمة، حيث شاع في القرن التاسع عشر تنظيم المعارض الفنية العالمية الكبرى في العواصم الغربية".

يروي لافي كيف أنه وفي الجناح المصري في فيينا، عام 1873، قام شمورانز بتصميم القاهرة بطابع مملوكي خالص، فقلد القبة من قايتباي والمئذنة من خانقاه فرج بن برقوق في قرافة المماليك، وتفاصيل معمارية من مجموعة السلطان إينال، ثم تفرغ تماماً للعمل في الزجاج. واستفاد من الإرث المملوكي ولكنه، بحسب لافي، كان مبتكراً وليس مقلداً، بخلاف نظرائه في أوروبا في وقت كانت الفنون التطبيقية فيه مزدهرة ويجري تقليد التراث الشرقي فيها، ونماذجه المبتكرة تعرض اليوم في متاحف مختلفة.

من رسومات فرانز شمورانز، المصدر:معاذ لافي
من رسومات فرانز شمورانز، المصدر:معاذ لافي

مشاريع لاحقة

اختار لافي عدة معماريين سوف يتناول تجاربهم تباعاً؛ يفسر ذلك بأن "العامل المشترك بين الذين اخترتهم هو العمل الأكاديمي بهدف التوثيق أو إعادة الإنتاج، أعني بالعمل الأكاديمي العمل المعماري بدون أي أيديولوجيا خاصة، سألقي محاضرات عن جيل بورغوان Jules Bourgoin، وهو معماري فرنسي اشتغل على عمارة القاهرة ووثق أعماله حتى أن لجنة حفظ الآثار العربية استخدمت رسوماته في الترميم وإعادة بناء العناصر المعمارية، المعماري الثالث هو بريس دافين Prisse d’avennes صاحب كتاب "الفن العربي في القاهرة"، والمعماري الرابع هو باسكال كوست Pascal Coste، كبير المعماريين في عهد محمد علي، وعمل على توثيق العناصر الفنية في عمارة القاهرة، أما المعماري الخامس فهو الإنكليزي أوين جونز Owen Jones وقد وضع كاتالوغاً خاصاً بفلسفة الفن الإسلامي في القاهرة وغرناطة".

 

معاذ لافي
معاذ لافي

في غياب الأرشيف

يلفت معاذ لافي إلى صعوبة الوصول إلى أرشيف ومراجع تخص هؤلاء المعماريين أو الاستشراق المعماري بالعموم، ويذكر أنه اضطر إلى التواصل مع متحف في فيينا ليصل إلى وثائق حول فترة وجود شمورانز في القاهرة، والذي أمده بلوحات واسكتشات نادرة، وتبين أن المتحف نفسه لم يستخدمها، وأنها محفوظة في المخازن. من هنا يعمل حالياً على كتاب يكون مرجعاً للدارسين والمهتمين في هذا الصدد عربياً.

 

المساهمون